بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا ومـولانا أحمد، الهادي إلى الصراط المستقيم،

الذي شرفه الله بأعظم خصائص معجزة الإسراء والمعراج،

وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا

 

إخواننا في الله، ومحبونا من أجله، حفظكم الله ورعاكم، وأسعدكم الله بمنه وإحسانه،

ما توالت ألطافه الخفية في خلقه

 

أيـها المؤمنون، إن الأيام الفاضلة، والمناسبة الجليلة، التي نعيشها في هذا الشهر الكريم، شهر رجب ، أحد أشهر اللـه الأربعة الحرم، للاحتفال  بمعجزة الإسراء والمعراج، لتذكرنا بأيام اللـه الخالدات في تاريخ الإسلام، وبأحد أمجاده العظيمة، في الـتاريخ المحمدي لرسالة خاتم النبيئين والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعلنها سيد الكائنات الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، أن خالق الكون، وصانع المعجزات، رب العزة والمَنّ والعطاء، قد أسرى و عرج برسوله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ليلا، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم إلى سدرة المنتهى، في رحلته المعجزة التي أذهلت العقول، فصدقها المؤمنون، وأنكرتها قريش المشركة، وهي تعلم علم اليقين أن صاحب المعجزة، هو الصادق الأمين، لأن الحدث كان أكبر من قدرتها وإدراكها العقلي، فاستغربت حدث الإســراء، فما بالك بحدث المعراج.  فإسراء ومعراج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حقّ ويقين، وعلينا أن نومن به، وأنه تم لرسول الله يقظة لا مناما، وبجسده وروحــه، صلى اللـه عليه وسلم.

 

"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير"

 

       ذلك إن معجزة الإسراء والمعراج، لم تقع على مرآى ومسمع من المؤمنين الصادقين، بل حصلت للرسول صلى الله عليه وسلم ليلا وعلى انفراد، وبذلك يكون سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، هو الإنسان الوحيد الذي أسري به الخالق البارئ المصور، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، على متن "البراق" صحبة أمين الله على وحيه، المَلَك سيدنا جبريل عليه السلام، ومنه عرج الله سبحانه وتعالى بخاتم الأنبياء والمرسلين إلى سدرة المنتهى .

"والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى ذو مرة، فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاذ ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى."

فإن كان الإسراء والمعراج آيـتان أرضيتان، من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى، فإن الغاية المتوخاة منهما هي أن يتأكد البشر، أن الله تبارك وتعالى قد خرق بآياته وبقدرته لرسوله المصطفى، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قوانين الأرض، وأنه جل وعلا قادر على أن يخرق له قانون السماء، فالزمان والمكان مخلوقان من مخلوقات الله، ومعجزة الإسراء والمعراج تمت بقدرته وعلمه عز وجل، وحكمته البالغة.

 

إخواني في الله، إن الذي ينظر بمنظار السرعة إلى هذه الرحلة المعجزة فقط، فعليه أن يرجع إلى قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الملكة بلقيس وعرشها، وكيف أن عفريتا من الجن قال لسيدنا سليمان عليه السلام أنه يستطيع أن ينقل عرش بلقيس من اليمن إلى مقام سيدنا سليمان بالقدس، قبل أن يقوم بمقامه، فتحداه الذي له علم من الكتاب، وقال:

 

"أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقرا عنده، قال هذا من فضل ربي."

 

ولقد كانت معجزة الإسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم للتبليغ عن الله تعالى بأعظم ركن من أركان الإسلام، وهي الـصـلاة، التي فرضها الباري سبحانه من دون وحــي، في أشرف مكان عند سدرة المنتهى، إعلاء لشأنها وتعظيما لقدرها.

 

ومن نعم الله على هذه الأمّة، فريضة الصلاة، الركن الثاني من أركان الإسلام، التي فُرضت  ليلة المعراج، لتكون معراج المؤمنين والمؤمنات. فالصلاة صلة بين العبد وربّه، وعامل أساسي في ترسيخ وحدة المسلمين وصحوتهم وتضامنهم. فمن حافظ على الصلوات وواظب على الجُمع، وحرص على الصلاة مع الجماعة، وأداها بخشوع وخضوع في أوقاتها، استنار قلبه بالإيمان، وحسنت مع الله ومع الناس سيرته وسريرته، واستقامت معاملاته، فهي عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين كله، ومن أضاعها، فهو لما سواها أضيع.

 

فكن في صلاتك، أيها المؤمن خاشعا، وفي مناجاة ربك صادقا، فلا تقل " الله أكبر"، وأنت تظن أن هناك من يُدانيه في عظمته وقدرته، ولا تقل " الحمد لله رب العالمين" وأنك بالحلال لا تقنع، ومن الحرام لا تشبع، ولا تقل "الرحمن الرحيم" وأنت شديد البطش، قاسي القلب ، ولا تقل "مالك يوم الدين" وأنت لا تتذكر الوقوف بين يديّ أحكم الحاكمين، ولا تقل "إياك نعبد" وأنت تعبد شهواتك ودنياك، ولا تقل "إياك نستعين" وأنت تلتجئ في الشدائد إلى المخلوق، وتترك باب خالقك، ولا تقل "إهدنا الصراط المستقيم" وأنت منحرف عن طريق المهتدين، ولا تقل " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين " وأنت واقع فيما يغضب الله ورسوله.

 

       إخواننا في الله ومحبونا من أجله، إن من حسنات الاحتفاء بالمحطات العظيمة في تاريخ الإسلام، التذكير بأيام الله الخالدات التي غيرت وجه البشرية جمعاء، وأخرجتها إلى نور العلم والمعرفة. ذلك أن معجزة الإسراء والمعراج، المعجزة الخالدة، لا يصح أن تكون حدثا مرتهنا بزمن أو مرحلة تاريخية قد ولّت، وإلا لماذا خصها القرآن الكريم بكل هذه العناية، وسميت باسمها سورة من سورالقرآن الكريم؟ لذلك، فإن معجزة الإسراء والمعراج شأن أحداث السيرة النبوية كلها، إنها مدرسة للتكوين والتأطير والتوجيه والإرشاد، منها تستمد العبر، والخطوط العريضة للدروس  العلمية والأخلاقية والتربوية، تطبيقا للنهج الإسلامي القويم، بما يقتضيه كل زمان ومكان، ليعانق المسلمون التقدم والنمو، والنصر الموعود.

 

"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا "

صدق الله العظيم.

 

 إننا لنغتنم حلول هذه المناسبة المجيدة وأمثالها، لنضع المسلمين في الصورة الحقيقية لمعاني الإسلام السامية، وأهدافه النبيلة، لتحقيق سبل التعارف والتعايش والإخاء، وتوضيح الحقائق وإبعاد سوء الفهم والأفكار المغلوطة والأحكام المسبقة التي تسود الثقافة الغربية، عن تعاليم الإسلام السمحة، خاصة وأن هذه الثقافة المشبوهة، تحمل في طياتها صورة نمطية خاطئة عن الإسلام، مع العلم أن الإسلام ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، ولكنه بحاجة إلى كل القوى الحية، في مختلف المجتمعات الإسلامية، تتبنى تبيين كنهه وماهيته للعالم، إحقاقا للحق ودحضا للباطل، حفاظا على ذاكرتنا وهويتنا. فالإسلام كما هو معلوم، دين العدل، ودين السماحة، ودين الحوار، ودين فعل الخير، ودين حسن المعاملة، ودين المحبة والحياة.

 

أيها المؤمنون، إن حسن سلوك المسلمين وحسن معاملاتهم، ودماثة أخلاقهم، على نهج ما خطّه القرآن والسنة النبوية، هو الذي سيعطي الدليل المقنع للمتربصين بالعالم الإسلامي، على أن الإسلام هو دين البشرية جمعاء، الذي جاء لتنويرها وهدايتها إلى سواء السبيل.

     

اللهم ارحم أمة سيدنا محمد، اللهم ألطف بأمة سيدنا محمد، اللهم انصر أمة سيدنا محمد، اللهم اجبر كسر أمة سيدنا محمد، اللهم فرج كروبنا وكروب المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، واجعل بيننا وبين كل مكروه حجابا مستورا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، بمحض جودك وإحسانك ورحمتك، يا أرحم الرحمين.

 

مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك سيدي محمد السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتعلو به راية الإسلام والمسلمين. اللهم أنجح مساعيه في سياسة أمور البلاد، ومعالجة قضايا العباد، وكن له يا رب عونا وظهيرا، وسندا ونصيرا. اللهم أدم على جلالته نعمة الصحة والعافية، واحفظه بما حفظت به السبع المثاني والقرآن العظيم، واجعل يا مولانا روح القدس معه في حله وترحاله، وفي جميع حركاته وسكناته، قرير العين بصاحب السمو الملكي ولي العهد المحبوب، الأمير الجليل مولاي الحسن، أنبته الله في حضن جلالته الرضي نباتا حسنا، وشد أزره بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبالشعب المغربي قاطبة، ملتفا حول عرشه، مستظلا بظله، محتميا بحماه، متبعا لخطاه، ربنا وتقبل دعائي. 

 

دعواهم فيها سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها ســلام،

وأخـر دعواهم أن الحمد للــه رب الـعـالـمـين.

 

ســلا، في يوم الإثنينن 26 رجب 1438هـ  موافق 24 أبريل 2017 م

 

                                                               شيخ الطريقة الكتانـية

                                                              

                                                             عبد اللطيف الشريف الكتاني