كلمة شيخ الطريقة الكتانية
الأستاذ عبد اللطيف الشريف الكتاني
بمناسبة احتفال الطريقة بموسمها الأكبر في 06 ربيع الأول من كل سنة،
الذي يقترن بالاحتفال بذكرى ميلاد خير البرية
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى الأمين

من عبد اللطيف بن محمد الطيب الشريف الكتاني إلى كافة إخواننا في الله تعالى، البررة الأجلة، من نرجو لهم من ربنا علام الغيوب، أن تحفهم ألطاف خالقهم، ورعاية بارئهم، سادتنا فقراء الطريقة الكتانية، ومريديها والمنتسبين إليها ومحبيها، حفظكم الله ورعاكم، وحرسكم بعينه التي لا تنام، وبكنفه الذي لا يضام، وأدام علينا وعليكم نعمه الظاهرة والباطنة، وثبتنا في بابه، وجمع قلوبنا وقلوبكم عليه، وألف بينكم حتى تكونوا كلمة واحدة، وعلى قلب رجل واحد.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ما قال مِؤمن ربي الله ثم استقام، عن خير مولانا الإمام المؤيد بالله، دام عزه وعــلاه.

بحلول الطلعة النورانية لشهر ربيع الأول، عام إثنين وثلاثين بعد الأربعمائة والألف من الهجرة، تعُمّ رحاب المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها نفحات قدسيات، تربط قلب المؤمن بالله، وتجد د صلاته الروحية مع الله، وتردّه ردّا رفيقا إلى شريعة القرآن.

في عيد مولدك ياخير الأنام، تنبعث الآمال قوية في نفوس المؤمنين، تهزم جيوش الغفلة واليأس الجاثم على الأرواح، تنفض عن العقول غبار التخلف والضياع، تخرجنا سنتك الشريفة،
يا سيدي يا رسول الله، من ظلمات الجهالة والضلال، إلى ضياء الحق ونور الإيمان :
"قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام..."

هاهي ذكرى مولدك المجيد يا سيدي يا حبيب الله على الأبواب رحمة للناس أجمعين
"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" لقد بعثت يا سيدي يا نبي الله، إلى الناس كافة، في مشارق الأرض ومغاربها، وخصّك المولى الكريم بالشفاعة العظمى : "إنا أعطيناك الكوثر" "ولسوف يعطيك ربك فترضى" واصطفاك ذو العزة والجلال، لتكون أمانا للمؤمنين من عذاب الله. "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" صلى الله عليك وسلم، وشرف وكرم، ومجّد وعظّم.

معشر المريدين الكتانيين الأعزاء، والمنتسبين والمحبين الأجلاء، مع اقترابنا من ذكرى المولد النبوي الشريف، نرى من المناسب أن نذكركم بأن الموسم الأكبر لطريقتنا الكتانية، يتزامن مع موعد هذه الذكرى الجليلة من كل عام.

أيها الحضور الكريم، إنها لفرصة تاريخية تدعو الضرورات الدينية والاجتماعية والوطنية، إلى الحرص على استمرار اقترانهما ـ الموسم الأكبر للطريقة، والمولد النبوي الشريف ـ والاحتفاء بذكراهما كلما حان موعدهما.

وإنها لمناسبة سعيدة، لنذكر إخواننا في الله، بأن طريقتنا الكتانية، هي مدرسة علمية صوفية سنية، أسسها مولانا الجدّ أبو الفيض الشيخ سيدي محمد الكتاني، منذ ما يزيد عن قرن من الزمن، على الاستقامة والتوبة والتقوى، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

جاعلا من العقيدة الإسلامية الوسطية، والتربية الروحية، والهداية الأخلاقية، والترقية السلوكية، وتجديد الفقه الإسلامي عمودها الفقري، ومن الوفاء لثوابت الأمة عقيدة ومذهبا وسلوكا روحيا وولاء لإمارة المؤمنين، هدفها الأسمى، سيرا على منهج التصوف السني المتشبث بالسنة النبوية الغراء. كما حث مريديها ومُحبيها على التحلي بأخلاق القرآن الكريم، وبالشمائل النبوية، وفعل الخيرات، وحسن المعاملة والمحبة والإخاء،وطيب الكلام، والتسامح والتعايش.

إن الاحتفاء بذكرى مولد خير الأنام فضيلة دينية تستحق كل تكريم وتبجيل، ومناسبة إنسانية وشعبية ووطنية مقدسة، تجعل من هذه الأيام المباركات، أيام مجد لنا وفخار، ومواسم عز لنا وسكينة واطمئنان، وعيد أعياد لنا ونماء وهناء، ثقة منا بوعد الله العزيز الرحيم في القرآن الكريم، لمن نزل عليه القرآن معجزة خالدة باقية من بعده لأهل القرآن : "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم" قل أطيعوا الله والرسول".

محبة الله في طاعته ورضوانه، محبة الله سند رباني لأهل طاعته ورضوانه، محبة مولانا رسول الله في اتـّباع سننه واحتذاء سيرته. ألا فلتكونوا إخواني من فقراء، مريدين، منتسبين، ومحبين للطريقة الكتانية على منهاج المحبة سائرين، ولسفينة النجاة راكبين.

اللهم صلّ على سيدنا ومولانا أحمد، سرّ الذات، ولوح التشكلات، وعلى آله وصحبه وسلم.

فالصلاة على سيدنا محمد من أفضل العبادات، إنها ذكر من أفضل الذكر وأجمله وأخلده، إنها قربة من أفضل القربات، جزيل أجرها، كثير ثوابها عند الله في الدنيا والآخرة. إذ صلاة المؤمنين والمؤمنات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، معناها : قيامهم بوظائفهم الشرعية خير قيام، وأداؤهم لمهامهم الدينية خير أداء، إتباعا لأوامر الله، واجتنابا لنواهيه. فاحتفال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بهذه الذكرى المجيدة، هو من أجل التذكير بالمثل العليا للإسلام ومعانيه السامية، والحث على مراجعة الأمة الإسلامية لسيرتها الذاتية، وسلوكها في التربية الروحية والهداية الأخلاقية، وتجديد لإيمانها بهدي القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، تماشيا مع روح العقيدة الإسلامية الوسطية السمحة، وتجسيدا لقول الله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ".

اللهم ارض عن آل بيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته ومحبيه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأشياخنا ولإخواننا ولمن له الحق علينا، ولجميع المومنين والمومنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك مجيب الدعوات.

وأغتنم هذه الليلة المباركة، وفي هذا المقام الطاهر، لأرفع للجناب الشريف، أمير المومنين، جلالة الملك، سيدي محمد السادس، أصالة عن نفسي، ونيابة عن سائر فروع زوايا الطريقة الكتانية بالحواضر والبوادي بجميع مكوناتها، من مقدَّمين ومريدين، ومنتسبين ومحبين، وعن الأسرة الكتانية بمختلف شرائحها، شيبا وشبابا، بنين وحفدة، أسمى آيات الولاء والإخلاص، والوفاء الصادق، المشفوعين بالولاء المستديم، والمحبة الخالصة، وامتنان الطريقة الكتانية وشكرها الجزيل، على رعاية جلالته السامية لها، سائلين المولى عزّ وجل، أن ينصر مولانا أمير المومنين نصرا عزيزا مؤزرا، ويديم على جلالته نعمة الصحة والعافية، ويحفظه بما حفظ به السبع المثاني والقرآن العظيم، ويجعل روح القدس معه في حِلّه وترحاله، وفي جميع حركاته وسكناته، وأن يبقيه المولى ذخرا للبلاد وملاذا للعباد، قرير العين بصاحب السمو الملكي، ولي العهد المحبوب، الأمير الجليل مولاي الحسن، أنبته الله نباتا حسنا في كنفه الرضي، ويشد أزره بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبالشعب المغربي قاطبة، مُلتفا حول عرشه، مستظلا بظله، محتميا بحماه، متبعا لخطاه.

اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، وطهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الريّاء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك على كل شيء قدير.

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بِـِرّ، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. ربنا وتقبل دعائي.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


شيخ الطريقة الكتانية
عبد اللطيف الشريف الكتاني