محاضرة ألقاها شيخ الطريقة الأستاذ عبد اللطيف الشريف الكتاني بروما في 26 شوال 1416 هـ، الموافق 05 مارس 1997- بصفته أمينا عاما للمركز الإسلامي الثقافي لإيطاليا حينه- تحدث فيها عن بعض القيم الإسلامية في ترسيخ التعايش بين الثقافات والأديان في العالم.


الحمد لله وحده
السيد الرئيس، أصحاب السعادة، أصحاب النيافة،

 

أيها السادة والسيدات :

يسعدني في مستهل هذا اللقاء، أن أعبر لجمعكم الكريم، عن السعادة التي تغمرني وأنا أشارك في هذه الندوة الدولية، إلى جانب نخبة من المفكرين، وأصحاب الرأي، من كبار رجال الدين القياديين، من مختلف الديانات السماوية، ومن أعيان عيون سكان هذا البلد المضياف، من مثقفين كبار، وعلماء أعلام، وفلاسفة أجلاء، وفطاحل في علم الاجتماع، ومهندسين وغيرهم ممن يسعون بروح عالية، إلى تعزيز سبل التعايش بين الثقافات بمفهومها العالمي الواسع، ويعملون جاهدين على نشرها بكل إخلاص، بين مختلف الشرائح المكونة للمجتمع الايطالي الأصيل، في إطار من الإحترام المتبادل، المؤدي إلى التعايش وإلى السلام، وإلى التعاون بين جميع الجنسيات والأعراق، والثقافات المتساكنة في هذا البلد الكريم، مهد الحضارات.

مغتنما هذه الفرصة، لأتقدم بالشكر والامتنان، إلى مجمع كليات الهندسة المعمارية، وإلى دائرة علوم الجيولوجياء وإلى إقليم اللومبارديا الذين سعوا إلى تنظيم هذا اللقاء الدولي الهام، تحت شعار:

"الثقافة والعمل المجتمعي في المدن الأوربية، في الألف الثالث للميلاد"

وإلى الزملاء الأساتذة المبرزين السادة: "بيير فرانكو غالياني"، و"ماريا انطونييطا كريبا"، و"مارزيو تريماليا"، الذين أشرفوا وعملوا بكل تضحية ونكران للذات، حتى انتظم عقد هذه الندوة الدولية بمدينة ميلانو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، على تفضلهم بدعوة المركز الإسلامي الثقافي لايطاليا بروما، في شخص أمينه العام، للمشاركة في هذه الندوة العالمية.


أيها السيدات والسادة :

إن محور هذا اللقاء سيدور كما هو معلوم، حول دراسة الأساليب والعوامل المؤدية إلى إعادة تنظيم المدن الأوربية، بما يتناسب مع واقعها الحديث المتمثل في تعدد الأعراق والجنسيات والثقافات، وإلى تسليط الأضواء على الخصوصيات الثقافية والعقائدية لكل الديانات السماوية، من: إسلامية، ومسيحية، ويهودية، بهدف تحقيق مطمح أسمى، ألا وهو تعميق جدور التعارف، والتعايش بين مختلف ثقافات جميع المتساكنين في هذا البلد، في ظل حوار بناء وتعاون مثمر، وتعايش دائم.

كما سيدور حول معرفة العلاقة بين المدينة والثقافة والدين، وعلى تحديد واجب المدينة إزاء ضيوفها، وواجب الضيوف إزاء المدينة المضيفة، بغية إيجاد صيغة مثلى تساعد على التقارب، والتعايش بين الأديان السماوية، طبقا للشرائع الإلهية، التي أتى بها النبيؤون والمرسلون من الخالق عز وجل، لهداية البشرية، وإلى ما فيه صلاح المجتمع البشري.

إنني سأترك للزملاء ذوي الاختصاص المشاركين معنا في هذه الندوة، التحدث عن الجانب التقني والهندسي والمعماري، ودور تخطيط المدن في هذا المجال، ومدى مساهمة كل هذه العناصر الفعالة، في الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف الحضارية والإنسانية، كل في دائرة اختصاصه، وأتفرد بتسليط الأضواء على الخصوصيات العقائدية والثقافية الإسلامية، وتعاليم الإسلام الصريحة الواردة في الحوار والتعاون والتعايش مع مختلف الديانات السماوية، ومع مختلف الأعراق والأجناس، المتعددة التقاليد والثقافات، في إطار تسامح ديني هادف فأقول:


أيها الحضور الكرام :

إن الإسلام كما هو معلوم، دين عالمي، وداعية حضارة، ورسالة خالدة، حملها إلى الإنسانية جمعاء. وإن الخطاب الإلهي في القرآن الكريم الموجه إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، جاء على شكل حوار قدسي من الله عز وجل، إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومن خلاله إلى المؤمنين بدعوته، ومن خلالهم إلى الناس كافة، فكما أرسل الله إلى الأمم السالفة رسلا مبشرين ومنذرين، محاورين متسامحين، كذلك أرسل الله محمدا إلى الناس محاورا متسامحا، وبشيرا ونذيرا، شأن أخوته من الأنبياء والمرسلين، بمنهجية ربانية واحدة، ورسالة سماوية مقدسة، تجمع القلوب على الإيمان بالله وبملائكته، وبكتب الله المنزلة إلى الناس، وبالأنبياء والرسل البررة الكرام. بدليل قول الله تعالى، في سورة النساء، رقم: ٤ الآية: 165: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).

ويتجدد الحوار، ولا يتغير مدلول الخطاب، ذلك بأن الدين دين الله، والشرع شرع الله، والخطاب خطاب الله، والكتب المنزلة إنما هي صحف مطهرة من الله، بدليل قول الله تعالى في سورة آل عمران، رقم : 3 الآية: 83 / 84: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى والنبيؤون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون). أي خاضعون ومنقاذون.

هذا الإيمان القيم بأنبياء الله ورسله البررة الكرام، هذا الفكر المتفتح، هو: المنهاج الأمثل، الذي لا ينبغي أن يحيد عنه أي إنسان في الوجود.


أيها الجمع الكريم:

إن الأمة الإسلامية، تؤمن إيمانا قاطعا بالحوار والتعاون والتعايش مع جميع الشعوب المتعددة الأعراق والثقافات، لأن ذلك نابع من عقيدتها الإسلامية، كما تؤمن بالقيم العليا للحضارة الغربية الحديثة، التي لم تبخل عليها الأمة الإسلامية في عهودها الزاهرة، وأيام حضارتها السامقة، بما اكتسبته من خبرة وتقدم في مختلف العلوم والفنون، وما كان لها من حضارة عمرانية وتقدم وازدهار، نهلت أروبا من معينها الصافي لعدة قرون. لأننا نلتقي مع الحضارة الغربية في خانة واحدة، وكان من المفروض أن نسير جنبا إلى جنب مع هذه الحضارة التي يمكن القول: أنها أصبحت مشتركة، لتحقيق المعجزات في هذا العالم في مختلف المجالات العلمية، والثقافية، والاجتماعية، لولا المعوقات التي عاقت هذه المسيرة، حيث خضعت معظم الأقطار العربية والإسلامية حينا من الدهر إلى الإحتلال الأجنبي، مما جعلها تتخلف عن الركب قليلا.

الثقافة في المفهوم الإسلامي

نماذج من تعاليم الإسلام في هذا المجال

احترام الإسلام لحقوق الأقليات الدينية

أهداف المركز الإسلامي بروما