واحدة من الخطب المنبرية النفيسة، لمولانا الوالد الشيخ محمد الطيب الشريف الكتاني، ندرجها نظرا لمعانيها الدينية الرفيعة، ومضامينها الروحية العالية، التي ألقاها رحمه الله في مسجد الشهباء بسلا، يوم الجمعة 18 شعبان 1360 هـ، وكان موضوعها : "الصلاة عماد الدين".

الحمد لله المرشد المعين، قيوم السماوات والأرضين، مدبر أمور الخلائق أجمعين، باعث الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلى المكلفين، وخاتم النبوة والرسالة بسيدنا محمد الصادق الأمين، ومخبرنا على لسان نبينا أن "الصلوات الخمس عماد الدين".

نحمده تعالى ونشكره على نعمه المتوالية كل حين، ونستعينه ونستغفره من ذنوبنا التي كل منا بها رهين.

ونشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نجدها يوم الجزاء والدين. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أجل شفيع في المذنبين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الهادين المهتدين، صلاة وسلاما نكون بهما يوم الفزع الأكبر من الآمنين. من يطع الله ورسوله نال من خير الدارين ما نوى، ومن يعص الله ورسوله فقد غره الشيطان والهوى.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا ممن يطيعه، ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه ويتبع سبله، حتى ينال من خير الدارين سؤله وأمله، فإنما نحن بالله وله.

أما بعد، فيا أيها الناس، إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز﴿ إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا﴾ [ النساء: 103] ألا وإن الله تعالى جعل ملاك السعادة وزمامها، وعماد الملة المطهرة وقوامها، هذه الصلوات الخمس التي هي أم الطاعات، وسيدة القربات، لا تقبل قربة إلا بعد قبولها، ولا ينظر للعبد في فريضة ولا نافلة إلا بعد تمامها بفصولها.

روى الطبراني، بسنده، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله".

فأعظم بها من عبادة يناجي العبد فيها مولاه، وناهيك بها من طاعة تكفر ما تخلل بينها وبين أختها من ذنوب العبد وخطاياه.

أخرج الإمام مسلم عن جابر قال عليه الصلاة والسلام : "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر غمر بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، أترون ذلك يبقى من درنه شيئا؟ قالوا : لا، يا رسول الله ! قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا"

وقال عليه السلام : "الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر".

فأقيموها، أعانكم الله، في أزمانها المعينة وأوقاتها، وثابروا على إحكام أحكامها، وإتقان طهارتها، ووفوها حقها من الاعتدال والطمأنينة، وصححوا عقدها بالإخلاص والخشوع والسكينة، وحافظوا فيها على متابعة الإمام في الركوع، والسجود، والجلوس، والقيام، قال عليه السلام: "من حافظ على الصلوات الخمس، ركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن وجبت له الجنة".

وأخرج الطبراني في الأوسط، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من صلى الصلوات في وقتها، وأسبغ لها وضوءها، وأتم لها قيامها، وخشوعها، وركوعها، وسجودها"، خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول : "حفظك الله كما حفظني". ومن صلاة لغير وقتها، ولم يسبغ لها وضوءها، ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها، ولا سجودها، خرجت، وهي سوداء مظلمة، تقول: "ضيعك الله كما ضيعتني" حتى إذا كانت حيث شاء الله، لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه".

وفي الموطأ، عن نافع، أن سيدنا عمر كتب إلى عماله: "إن أهم اموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواه أضيع".

وأخرج الإمام أحمد، بإسناد جيد، والطبراني في الأوسط والكبير، وابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصلاة، فقال: "من حافظ عليها، كانت له نورا، وبرهانا، ونجاة يوم القيامة. ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وأبي بن خلف".

وأخرج البزار، عن سعد بن أبي وقاص، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قوله تعالى : ﴿فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾ [ الماعون : 4و5 ] قال : "هم الذين يخرجون الصلاة عن وقتها".

فاحذروا، رحمكم الله، هذا الأمر العظيم، واعملوا ليوم لا ينفع فيه مال، ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، واصرفوا، وفقكم الله، إليها عنان الإعتبار، ومروا بها أولادكم لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، ورغبوهم فيها سرا وعلنا، وحظوا عليها نساءكم، بكل الوسائل، كما تفعلون في مهماتكم، فإن الله تعالى يقول : ﴿ وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها﴾ [ طه : 132] فانشئوا صغاركم على اعتيادها وعلى عدم التهاون بها، وحببوا نساءكم فيها، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته، وعلى ما صدر من أهله وعياله وذريته.

وفقني الله وإياكم للطريقة المثلى، وألهمنا جميعا لتدبر ما علينا من القرآن يتلى، وجعلنا من العاملين بقوله تعالى:

﴿ حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين﴾. [ البقرة : 238]

نفعني الله وإياكم بحديث رسوله الصادق الأمين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين".