بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله عدد ما في علم الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
إخواننا في اللـه، ومحبونا من أجله، الأجلة الأخيار، حفظكم اللـه ورعاكم، ومن كل سوء وقانا ووقاكم. سـلام اللـه البر الرحيم عليكم وتحياته وبركاته تـتـرا وتـتوالى لديكم ما قال مؤمن ربي اللـه.
وبـعـد، فأحيا اللـه إخواني قـلب من جـدد إيمانه بخالقه، وأحيا سنة رسوله، وأذاقه حلاوة الإيمان، فحمله ذلـك على المثابرة على إقامة شعائر الدين، وسنة سيد المرسلين، بالرغم من كيد الحاسدين والجاحدين، ولوم اللائمين، فنال بذلك رضا خالقه، وخير الدنيا والآخرة.
كلمتنا إليكم أيها الإخوة الكرام، والأحبة الأجلاء بعنوان :
الإسراء والمعراج، الفتح الإسلامي الأول لبيت المقدس
أيـها المؤمنون، إن الأيام الفاضلة، والذكرى العظيمة القدر، للمعجزة الربانية الكبرى الإسراء والمعراج التي نعيشها في هذا الشهر الكريم، شهر رجب ، أحد أشهر اللـه الأربعة الحرم، لتذكرنا بأيام اللـه الخالدة في تاريخ الإسلام، وبأحد أمجاد الإســلام النيرة، في الـتاريخ التليد لنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين، التي أعلنها سيد الكائنات سيدنا محمد صلى اللـه عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى، أن خالق الكون، وصانع المعجزات، رب العزة والجلال والإكرام، قد أسرى و عرج برسوله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ليلا بجسده وروحه يقظة لا مناما، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم إلى سدرة المنتهى، في السماوات العلا، في رحلته التاريخية الميمونة، التي أذهلت العقول، فصدقها المسلمون، وأنكرتها قريش المشركة، ودفعها غرورها إلى تكذيب الرسول الأعظم و النبي الأفخم سيدنا محمد بن عبد الله، وهي تعلم علم اليقين أنه الصادق الأمين، لأن الحدث كان أكبر من قدرتهم على استيعابه، فاستغربوا حدث الإســراء، فما بالك بحدث المعراج. فإسراء ومعراج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حق وصدق، وعلينا أن نومن أنه تم يقظة لامناما، وبجسده الطاهر وروحــه صلى اللـه عليه وسلم، ومجد وعظم.
وسمي صاحب رسول الله في الغار، في هجرته من مكة إلى المدينة، سيدنا أبو بكر رضي الله عنه صديقا، لتصديقه هذه الوقعة حين كذبتها قريش.
بسم الله الرحمن الرحيم:
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله
لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير"
وقد أجمع العلماء والمؤرخون، على أن الإسراء والمعراج يعتبر أول فتح إسلامي لبيت المقدس. وإن هذه المعجزة الباهرة، لتعد أكبر حجة على صدق الرسالة الإسلامية الخاتمة، وإن إمامة المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام، تفرض قيادة الإسلام للمسيرة الإنسانية، وأنها تمت في ليلة السادس والعشرين من شهر رجب، قبل الهجرة النبوية في سنة 621م على متن البراق، الوسيلة الإلاهية، التي هيأها الله تعالى لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمى لإسرائه ومعراجه، صحبة سيدنا جبريل عليه السلام، من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى، ومنه إلى السموات العلا. إن هذه المركبة العظيمة المسماة "بالبراق" يستحيل تقدير سرعتها حتى يومنا هذا.
وفوق كل ذي علم عليم، والله على كل شيء قدير.
وعليه، فإن معجزة الإسراء والمعراج ليست كالمعجزات الأخرى، لأنها لم تقع على مرآى ومسمع من المؤمنين الصادقين، بل حصلت للرسول صلى الله عليه وسلم على انفراد، وبذلك يكون سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، هو الإنسان الوحيد الذي أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى على متن البراق صحبة أمين الله على وحيه الملَك سيدنا جبريل عليه السلام، ومنه عرج الله سبحانه وتعالى بخاتم الأنبياء والمرسلين إلى السماوات العلا إلى أن وصل إلى سدرة المنتهى .
بسم الله الرحمن الرحيم:
"والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاذ ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى."
فإن كان الإسراء آيـة أرضية، من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى، فإن الغاية المتوخاة منها هي أن يتأكد البشر، أن الله تبارك وتعالى قد خرق بقدرته لرسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قوانين الأرض، وأنه جل وعلا قادر على أن يخرق له قانون السماء، فالزمان والمكان مخلوقان من مخلوقات الله، ومعجزة الإسراء والمعراج تمت بقدرته عز وجل ، وحكمته البالغة.
والخلاصة، فإن الذي ينظر بمنظار السرعة إلى هذه الرحلة الباهرة فقط، فعليه أن يرجع إلى قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الملكة بلقيس، وعرشها وكيف أن عفريتا من الجن قال لسيدنا سليمان أنه يستطيع أن ينقل عرش بلقيس من اليمن إلى مقام سيدنا سليمان بالقدس، قبل أن يقوم بمقامه، فتحداه الذي له علم من الكتاب، وقال:
"أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، فلما رآه مستقرا عنده، قال هذا من فضل ربي."
فالسرعة والدقة التي تحققت بها هذه المعجزة في عصر النبي سيدنا سليمان، ليس بمقدور العلم الحديث لحد الآن، ما يسمح بنقل هذا العرش برمته بهذه السرعة المذهلة، المعجزة، ولكنها تمت بعلم الله وقدرته، الفعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.
ولقد كانت معجزة الإسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم للتبليغ عن الله تعالى بأعظم ركن من أركان الإسلام، وهي الـصـلاة، التي فرضها الباري سبحانه من دون وحــي، في أشرف مكان عند سدرة المنتهى، إعلاء لشأنها وتعظيما لقدرها. إذ الصلاة قربة بين العبد وربه، تتجدد كل يوم خمس مرات، وهي في جوهرها عروج بالروح إلى الملإ الأعلى، فهي عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين كله، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع، كما في الحديث الشريف.
والسر في ذلك، في اعتقادي للتأكيد على أن المسجد الأقصى هو بيت الله، وبيت إسلامي، ملك للمسلمين قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأمانة في عنق المسلمين في العالم أجمع، عليهم أ ن يحافظوا على حرمته وقدسيته، وتطهيره من كل ما يغضب الله ورسوله. فهو قبلة المسلمين الأولى، ومهبط الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. فمنذ الأزل، ربط القدس الشريف والمسجد الأقصى بمشاعر المسلمين وشعائرهم ربطا عمليا من خلال ركن هام من أركان الإسلام، وهو الصلاة، وأن ربط القدس الشريف والمسجد الأقصى بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، لأكبر دليل على أن حرمة المسجد الأقصى كحرمة المسجد الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لاتشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: مسجدي هـذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى"
اللهم ارحم أمة سيدنا محمد، اللهم انصر أمة سيدنا محمد، اللهم اجبر كسر أمة سيدنا محمد ،اللهم فرج كروبنا وكروب المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، واجعل بيننا وبين كل مكروه حجابا مستورا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، وبالنظر إلى وجهك الكريم، بمحض جودك وإحسانك ورحمتك، يا أرحم الرحمين يا رب العالمين.
مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك سيدي محمد السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتعلو به راية الإسلام والمسلمين. اللهم أنجح مساعيه في سياسة أمور البلاد، ومعالجة قضايا العباد، وكن له يا رب عونا وظهيرا، وسندا ونصيرا. إنك على كل شيء قدير. اللهم أدم على جلالته، نعمة الصحة والعافية، واحفظه بما حفظت به السبع المثاني والقرآن العظيم، واجعل يا مولانا روح القدس معه في حله وترحاله، وفي جميع حركاته وسكناته، قرير العين بصاحب السمو الملكي ولي العهد المحبوب، الأمير الجليل مولاي الحسن، أنبته الله في حضن جلالته الرضي نباتا حسنا، وشد أزره بشقيقه السعيد الأمير مولاي رشيد، وبالشعب المغربي قاطبة، ملتفا حول عرشه ،مستظلا بظله، محتميا بحماه، متبعا لخطاه، ربنا وتقبل دعائي .
اللَّهُمَّ صلِّ على سيِّدنا ومَوْلانا أحمَد، الذِي جَعلْتَ اسْمهُ مُتّحِداً باسْمِكَ ونعْتِك، وصُورَةَ هَيْكلِهِ الِجسْماني على صُورَة أُنْمُوذُج حقِيقَةِ خَلقَ الله سيّدنا آدم على صورته، وفَجَّرْتَ عُنْصُرَ مَوْضوعِ مَادّةٍ مَحمُولهِ من آنية أنا الله، بل حتَّى إذا جَاءَهُ لم يِجدْه شيْئاً ووجد الله عندَه، وآلهِ وصحبه وسلَّم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
ســلا، في: 26 رجب 1435، موافق 26 يونيه 2014
شيخ الطريقة الـكـتانـيـة
عبد اللطـيـف الشريف الـكـتـانـي