معجزة الإسراء والمعراج
علامة من علامات صحوة المسلمين،
وظاهرة من مظاهر الوحدة الإسلامية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي شرفه الله بأعظم خصائص المعراج،
ورفعه باللواء والتاج، وعلى آلـه وصحبه وسلم.
إخواننا في الله، ومحبونا من أجله، الأجلة الأخيار، حفظكم الله ورعاكم، ومن كل سوء وقانا ووقفاكم. سلام الله البر الرحيم عليكم، وتحياته وبركاته تترا وتتوالى لديكم ماقال مؤمن ربي اللــه.
وبعد، فأحيا الله إخواني قلب من جــدّد إيمانه بخالقه، وأحيا سنة رسوله، وأذاقه حلاوة الإيمان، فحمله ذلك على التقوى والإستقامة، وعلى المثابرة على إقامة شعائر الدين، فنال بذلك رضا اللــه، وخير الدنيا والآخرة، امتثالا لقول الله تعالى في محكم كتابه:
"وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه،
ومن يعرض عن ذكر ربه نسلكه عذابا صعدا".
أيها الإخوة الأعزاء، لقد منّ اللـه جل وعلا على خاتم أنبيائه ورسله في إسرائه ومعراجه، في رحلته المباركة هذه، أن أرى اللـه عز وجل، رسوله الكريم، ببالغ قدرته، وعظيم حكمته، بعض آياته الكبرى، سبحانه جل وعلا، علمه فوق كل ذي علم عليم، وأنه على كل شيء قدير،
"بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير".
وقد أجمع العلماء والمؤرخون، على أن الإسراء والمعراج، يعتبر أول فتح إسلامي لبيت المقدس، وإن هذه المعجزة الربانية، لتعد أكبر حجة على صدق الرسالة الإسلامية الخاتمة، وظاهرة من مظاهر الوحدة الإسلامية. فإسراء ومعراج سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حق وصدق، وعلينا أن نومن أنه تم يقظة لا مناما، وبجسده وروحه الطاهرتين، صلى اللـه عليه وسلم. "ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى
إذ يغشى السدرة ما يغشى، مازاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى".
فمنذ الأزل، ربط القدس الشريف والمسجد الأقصى بمشاعر المسلمين وشعائرهم ربطا عمليا من خلال ركن هام من أركان الإسلام، وهو الصلاة، وأن ربط القدس الشريف والمسجد الأقصى بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، لأكبر دليل على أن حرمة المسجد الأقصى كحرمة المسجد الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا تُشد الرحال إلا لثلاثة مساجد:
مسجدي هـذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى"
والسر في ذلك، في اعتقادي للتأكيد على أن المسجد الأقصى هو بيت الله، وبيت إسلامي، ملك للمسلمين قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأمانة في عنق المسلمين في العالم أجمع. فهو قبلة المسلمين الأولى، ومهبط الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
ولقد كانت معجزة الإسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وسلم للتبليغ عن الله تعالى بأعظم ركن من أركان الإسلام، وهي الـصـلاة، التي فرضها الباري سبحانه من دون وحــي، في أشرف مكان عند سدرة المنتهى، إعلاء لشأنها وتعظيما لقدرها.
فكن في صلاتك، أيها المؤمن خاشعا، وفي مناجاة ربك صادقا، فلا تقل " الله أكبر، وأنت تظن أن هناك من يُدانيه أو يُساويه في عظمته وقدرته، ولا تقل " الحمد لله رب العالمين" وأنك بالحلال لا تقنع، ومن الحرام لا تشبع، ولا تقل "الرحمن الرحيم" وأنت شديد البطش، قاسي القلب على الضعفاء والمساكين، ولا تقل "مالك يوم الدين" وأنت لا تتذكر الوقوف بين يديّ أحكم الحاكمين، ولا تقل "إياك نعبد" وأنت تعبد هواك ودنياك وشهواتك، ولا تقل "إياك نستعين" وأنت تلتجئ في الشدائد والنوائب إلى المخلوق وتترك باب خالقك، ولا تقل "إهدنا الصراط المستقيم" وأنت منحرف عن طريق المهتدين، ولا تقل " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين " وأنت واقع فيما يغضب الله وملائكته ورسوله والناس أجمعين.
ومن نعم الله على هذه الأمّة، فريضة الصلاة، الركن الثاني من أركان الإسلام، التي فُرضت كما هو معلوم، ليلة المعراج، لتكون معراج المؤمنين والمؤمنات. فالصلاة صلة بين العبد وربّه، وعامل أساسي في ترسيخ وحدة المسلمين وصحوتهم وتضامنهم. فمن حافظ على الصلوات وواظب على الجُمع وحرص على الصلاة مع الجماعة، وأداها بخشوع وخضوع في أوقاتها، استنار قلبه بالإيمان، وحسنت مع الله ومع الناس سيرته وسريرته واستقامت معاملاته، فهي عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين كله، ومن أضاعها، فهو لما سواها أضيع.
إخواننا في الله ومحبونا من أجله،
إن من حسنات إحياء ذكرى المحطات العظيمة في تاريخ الإسلام، التذكير بأيام الله الخالدات التي غيرت وجه البشرية جمعاء وأخرجتها إلى نور العلم والمعرفة. ذلك أن ذكرى الإسراء والمعراج المعجزة الخالدة لا يصح أن تكون حدثا مرتهنا بزمن أو مرحلة تاريخية قد ولّت، وإلا لماذا خصها القرآن الكريم بكل هذه العناية، وسميت باسمها سورة من كتاب الله الخالد ؟ لذلك فإن معجزة الإسراء والمعراج – شأن أحداث السيرة كلها– مدرسة للتكوين منها تستمد العبر، والدروس التربوية والخطط العملية تطبيقا للنهج الإسلامي، بما يقتضيه كل زمان ومكان ليعانق المسلمون النصر الموعود.
إننا لنغتنم حلول هذه الذكرى المجيدة وأمثالها لنضع المسلمين في الصورة الحقيقية لمعاني الإسلام السامية وأهدافه النبيلة لتحقيق التعايش والتعارف، وتوضيح الحقائق وإبعاد سوء الفهم والأفكار المغلوطة والأحكام المسبقة التي تسود في الثقافة الغربية عن الإسلام، خاصة وأن هذه الثقافة المغلوطة تحمل في طياتها صورة نمطية خاطئة عن الإسلام، مع العلم أن الإسلام ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، ولكنه بحاجة إلى كل القوى الحية في مختلف المجتمعات الإسلامية تتبنى تبيين كنهه وماهيته للعالم إحقاقا للحق ودحضا للباطل، حفاظا على ذاكرتنا وهويتنا. فالإسلام، كما هو معلوم، دين العدل ودين السماحة ودين الحوار والتشاور ودين المحبة والحياة.
وعليه، فإن سلوك المسلم الحق هو الذي سيعطي الدليل الناصع على أن الإسلام هو دين البشرية الذي جاء لتنويرها وهدايتها إلى سواء السبيل. وفي هذا السياق، فإننا نقترح أن لا يقتصر الاحتفال فقط بالمولد النبوي أو بالإسراء والمعراج بل بكل مناسبة عملت على تقدم الاسلام وازدهاره كالهجرة والبعثة النبوية وما شبه ذلك.
ومن هذا المنطلق، إننا نرى أن الاحتفاء بالمحطات الإسلامية التاريخية، بما فيها الاحتفال بالمولد النبوي لا ينبغي أن ننظر إليها كبدعة. صحيح، إن الاحتفال بهذه المناسبات قد ينظر إليها كبدع، ولكنها في كنهها وأبعادها بدع محمودة، المراد منها الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والتذكير بالشمائل النبوية على نهج السلف الصالح، سالكين طريق التعريف بالمنهجية الوسطية للإسلام وبقيمه السمحة، هدفنا الأسمى تربية النشء الصاعد وتذكيره بالمثل العليا لدينه الحنيف ليكون قدوة صالحة تنعكس عليه مثله العليا وقيمه السامية، فيعطي بذلك الدليل القاطع على نصاعة الإسلام ووسطيته، فيمحو بشخصيته المتميزة وأخلاقه العالية ومعاملاته الاجتماعية الطيبة، ما يلصق بالإسلام من أباطيل ومن صور نمطية مغلوطة من طرف أعدائه الذين لا يدخرون جهدا في تشويه حقيقة ديننا الحنيف وما يرمونه به من نعوت لا علاقة للإسلام بها، فيصبح هذا النشء بذلك، المرآة التي تنعكس عليها مبادئ الإسلام السمحة.
وللعلم، فإن هناك الكثير من المستحدثات المستحسنة تخللت تاريخ الإسلام، مثل جمع القرآن الكريم، والحديث الشريف، وصلاة التراويح، والآذان الثاني والثالث في صلاة الجمعة، وصيامه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء. لذا فإنه ينبغي اتخاذ الحيطة والحذر عند استعمال العبارة الواردة في الحديث الشريف – كل بدعة ضلالة -، حيث يجب حصر استعمالها في الكلام عن البدع المحرمة. لأن الاحتفال بهذه المناسبات الكريمة هي بدع حسنة، هدفها الدعوة إلى الله وخدمة مصلحة الدين والدنيا، وتصحيح الأفكار المغلوطة عن الإسلام، وتعمل على ربط مختلف أجيال المسلمين بأصولهم التليدة.
"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا "
صدق الله العظيم.
أيـهـا الإخـوة الأبـرار، كم أنا سعيد أن أغتنم هذه المناسبة الجليلة لذكرى معجزة الإسراء والمعراج، التي نعيشها في هذا الشهر الكريم، شهر رجب، أحد أشهر اللـه الأربعة الحرم، فأسارع لصلة الرحم مع الإخوة البررة الكرام، وأجدد التواصل مع ألأعزة سادتنا وموالينا الفقراء الكتانيين، والمنتسبين والمحبين لهذه الطريقة الصوفية السنية، التي أسسها مولانا الجد، ابـو الفيض الشيخ سيدي مـحـمـد الكتاني على الاستقامة والتوبة والتقوى، والدعوة إلى اللـه بالحكمة والموعظة الحسنة، وجعل من العقيدة الإسلامية الوسطية، والتربية الروحية، والهداية الأخلاقية عمودها الفقري، ومن الوفاء لثوابت الأمة، عقيدة ومذهبا وسلوكا روحيا وولاء لإمارة المؤمنين هدفها الأسمى، سيرا على منهج التصوف السني المتشبث بالسنة النبوية الغراء.
اللهم ارحم أمة سيدنا محمد، اللهم انصر أمة سيدنا محمد، اللهم اجبر كسر أمة سيدنا محمد ،اللهم فرج كروبنا وكروب المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، واجعل بيننا وبين كل مكروه حجابا مستورا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، وبالنظر إلى وجهك الكريم، بمحض جودك وإحسانك ورحمتك، يا أرحم الرحمين يا رب العالمين.
مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك سيدي محمد السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتعلو به راية الإسلام والمسلمين. اللهم أنجح مساعيه في سياسة أمور البلاد، ومعالجة قضايا العباد، وكن له يا رب عونا وظهيرا، وسندا ونصيرا. إنك على كل شيء قدير. اللهم أدم على جلالته، نعمة الصحة والعافية، واحفظه بما حفظت به السبع المثاني والقرآن العظيم، واجعل يا مولانا روح القدس معه في حله وترحاله، وفي جميع حركاته وسكناته، قرير العين بصاحب السمو الملكي ولي العهد المحبوب، الأمير الجليل مولاي الحسن، أنبته الله في حضن جلالته الرضي نباتا حسنا، وشد أزره بشقيقه السعيد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبالشعب المغربي قاطبة، ملتفا حول عرشه ،مستظلا بظله، محتميا بحماه، متبعا لخطاه، ربنا وتقبل دعائي .
ســلا، في: 26 رجب 1436، موافق 15 مايه 2015
شيخ الطريقة الـكـتانـيـة
عبد اللطـيـف الشريف الـكـتـانـي