للشيخ المؤسس سيدي محمد بن الشيخ سيدي عبد الكبير الكتاني :

سَقَتْني بثَغْر الوصْل قهوةَ حُسنهــــــــا      مُشَعْشَعـَة دارتْ بألحـانِ نشْأتـــــــي

فيا ساقياً مهلاً فما رَوى الحَشــــــــــــا      أدِرها على سرّي بحاناتِ حضْرتـي

سكرتُ ولكنْ مِن مُحيّا جمالِهــــــــــــا       فطلْعتُها سُكري ككاسات خمرتــــي

وشاهدتُ معنَى الحُسن من بعد ما استــوتْ بعرشي فصرتُ العينَ من بعد كثرتي

هناكَ انمحَى عن فرقي نقطةُ غَيْنِـــــه      وصرتُ وراءَ الجمع من جمعِ شَكْلتي

دَنَـتْ فتدلَّتْ في مهامِه داتهــــــــــــــا      لِـِذات لهـا ذاتٌ إليها تدَلَّتــــــــــــــــي

سجدتُ لها عند التّـداني مُلبّيــــــــــــاً      بمحراب مجْلى الجمع من بعدِ حيرتي

وغبتُ بها عنّي وصرتُ وراءَ مـــــا      يُشاهَـدُ من حسن بكـلِّ كُلِّيَّتـــــــــــــي

وأبصرَهـا لحِظي وذلك لحظُهـــــــــا      فكنتُ بها منهـا بصيراً بجُملتــــــــــي

وثم وراءَ الحُسن مَعنىً شهدتُــــــــــه      بمَهْمَه غيْبِ القُدس في طَيِّ حلَّتــــــــي

سمعتُ النّداء من قابَ قوسَيْن مَرحباً       وأهْـلاً بمعشوقي لسـرِّ هُوِيَّتــــــــــــي

غريبٌ أنيسٌ عرشُ بَدَرَيْنِ لابـــــسٌ       لضدَّيْنِ مـن شمسَيْن لونان حُلَّـــــــتي

أحاطتْ بكلّي يـومَ كنتُ مُلَبِّيـــــــــــاً      بمحرابِ مَجْلى الجمع من دون سُتْرتي

مُجرّدةٌ عـذراء تسبي جمَالَهَــــــــــــا      مُلثَّمـةٌ بالعيْـن عَيْني وقبلتــــــــــــــــي

لقد ظهرتْ في الكلِّ عيناً بكلّهــــــــا      فمـا ثمَ إلاّ الكُل في كلِ وِجْهَتــــــــــــي

تبدَّتْ بتلْوين به احتجبتْ وقــــــــــد      تجمَّعت الأضدادُ فيهـا لسُتْـرتـــــــــــي

عشقتُ ملاحَ الكونِ من أجلهـــــــــا       ومارأيتُ سواها فـي الحقيقـة لبّتـــــــي

تبدّتْ مباني الفَرقِ من لوحْ جمْعِهــا       بظِلِّ خطوط الشكل من رسْم نُقطتـــــي

رسوم بدتْ من غيبٍ لوحِ بطونهـــا      إليها معاني الـذّات تجلّى بصُورتـــــــي

مطلسمة تبدو على عهدِ كنـزهـــــــا      بلون الأنا في الهُو بل كلّ صبغتـــــــي

هَيُولَى هباء الغَيْنِ من جوهرِ العمــا      فمنّي تبدّى الكلُ من بسط نقطتـــــــــي

تقدمتُ قبْلَ الكلّ إذ بي وجـــــــــودُه       تأخّر بعـدَ الكل ناسوت صورتـــــــي

أنا الأول الثاني أنا الظاهر الــــــذي      بطنتُ بسرِّ الغيب من بين إخوتــــــي

أنـا نقطـةُ الباء المجرّدة الـتــــــــــي      أنافَـتْ على الأفلاكِِ يومَ دُجنّتـــــــــي

أنا كنـز غيبِ الهُوِّ في غيبِ هُـــــوِّه       بظلمةِ نـور الذاتِ ذات هُوِيّتــــــــي

تفردت بي عني بمهْمَـهِ مَهْمَــــــــــهٍ      فمـا ثم غيري ظاهـرٌ فـي أنيّتـــــــــي

أنا كلُّ كلِّ الكلِّ طَلْسمُ طَلْسَــــــــــــم      بذاتي خَلَـتْ ذاتي بكاساتِ خمرتــــي

كذاك بشكل الجن في الأرض قبلكــم      فصرتُ لهم رُسْلاً لتحقيق حجّتــــــي

وقد صرتُ في تكذيب رُسْلي موجّهاً       لهـم حجج الأبطال شأن رعيّتـــــــي

كـذاك بأطوار الشياطين جئتُهــــــــم       ظهرت به حُكماً لحكمة حِكمتـــــــي

ومـا هذه الأشكال منّي غيَّــــــــــرَتْ      صفاتي ولا أبدَتْ سواي لنُسختـــــي

تطورتْ في كلّ المظاهر وانتهـــــتْ      إلـى أن سَرَتْ في كثرتي أحديَّتــــي

فليسَ وراء مرْمايَ مرمىً لذي هَوَى      تجمعَتِ الأضـدادُ في فرد كَثْرتـــــي

وكلُّ زوايا الكونِ أصبحَتْ مَقَرِّي مُذْ      وَسِعْتُ جـمالَ الحقِّ حقاً بجُملتـــــي

ودونكَ حُسْني فاشهدنَّهُ مُجــــــــــرّداً      على نعتِ فرقِ الجمع من قافِ قُوّتي

تدلَّلْ بأنسِ البسط في حضرة المُنـــا       علـى عزّة تبدو بكهفِ هُـوِيَّتــــــــي

فهيَّا اسقيني خمرَ التّداني وواصلــــن      كُؤوساً بألحـانٍ على عَهْدِ نشْأتـــــي

ولي زفراتٌ أبْلتِ الكونَ جَهْـــــــــرَة      إذا برزَتْ ضاقَ الفضـاء لِلَوْعَتـــــي

وكم سَهِرَتْ جفنُ الكئيبِ ترقُّبـــــــــاً      لِطَيْفِ خيالِ الحُسْنِ من فرطِ حيْرتي

أنوحُ على الأطلالِ كي ما أرى بـــها       مُشَابه جسمي في تلاشي وغُربتـــي

أذابَ فؤادي سحرُ عينِ جمالِـــــــــها       ولبّيتُه كـرهاً على عـزِّ سَطْوَتــــــي

فما في الحشا مجلى لغيِر سهَامــــــها       ورفْضُ السوَى فرضٌ عليَّ لِغَيْرتي

أغـار عليها أن أراها وإنّمــــــــــــــا       غرامي بدَا في الكونِ يُبدي قضيّتي

إذا زمزمَ الشادي طربتُ تهتُّكـــــــــاً       عليها وفاضَتْ فـي البريّة قصّتـــي

أبـرد ما بالقـب لو كان نافعــــــــــــاً       الأضرامُ في كلِّ شعْرتــــــــــــــــي

تلَذُّ لي العُذالُ في جنـبِ حبّهــــــــــا       فمـا ثمَّ إلاّ الحُسْنُ في كلِّ رُتْبتــــــي

على مثلها أُفنى وأبلَـى تحيُّــــــــــراً       وأرقصُ في الأغلالِ من فرطِ لَوْعتي

تفانيتُ عن حُبّي وجنسي وقد غدتْ        وُشاةُ الوَرَى تسعَى بشأن ما هيّتـــي

وفي غُنْيَةِ عنها وعن زُخْرُفاتِهــــــا       تفانيتُ حتّى قيـلَ ليس بمثبتــــــــــي

رُوَيْدَكُم أبْدتْ معـاني جمالِهـــــــــــا       بخلْـوة سرِّ السـرّ دونَ أنيَّتـــــــــــــي

خلوتُ بها رغماً على الدّهر بَعْدَمــا       تولهت في سري بوَجْدي وحُرْقتــــي

سقاني الدُّجى خَمْراً بكأسِْ دوائــــب      على العُودِ والمزمارِ في كفِّ قَيْنَتـــي

هي الشمسُ إلاَّ أنَّ ذاتي سماؤهـــــا      فلـونُ الأنا فيها كلون المبيَّتـــــــــــــي

تبدَّتْ على كأس فكان لِلُطْفـِـــــــــه       بهـا هو إيـاها وإيـاه حلَّتـــــــــــــــــي

لأنّـه عَيْنُ العَيْنِ والنقطةُ التــــــــي      أُديرتْ به من قَوْس وترِ هُويَتـــــــــي

لقد طاحَ ظلُّ الغَيْنِ في شمس عَيْنِه       فشاهدتُ عَيْنَ العَيْنِ في طيّ بُرْدَتـــي

أباحَ الهَوى سِرِّي وكم قد كَتَمْتُـــــه       فصِرْتُ له معنىً للطـفِ حقيقتـــــــي

غنيٌّ فقيـرٌ مفلـسٌ مُتَهَتِّــــــــــــــكٌ       كئيبٌ قتيلُ الحُسْن أقْصى حَضيرَتــي

تَذَلَّلْتُ مُذْ لاحظتُ معنى جمالِهـــــا       فصارتْ معاني الجفْن تفْتِك جملتــــي

تغرَّبْتُ عن إلفي وكم قد تقاعَــــدَت      بيَ السُّفن العرْجا على سطح لُجَّتــــي

وكم لَعِبَتْ أيدي الصّبَا بعقولِنـــــــا       فصارتْ على متـْن القفار تَفَتُّتِــــــــي

وكم قد تولَّهْنا وذُبْنـا صبابـــــــــــةً      على إثْرِها يـومَ المَعاركِ بُغْيَتــــــــــي

فَخَلّ جميعَ الكَوِنِ واصْرِمْ حِبالَــــه      وبَدّدْ كَثَافـاتِ العناصرِ صِبْغتــــــــــي

وحَسّنْ ظُنوناً بالوَرَى لا تُسيءُ بهم      فذلك أدْنى المقْتِ والبابُ سُـدَّتـــــــــي

ودونَك بَحْرَ الشَّرْعِ فالزَمْ سفونــــه      ولا تَعْبَأَنْ بـالمُبْطلين لـشِرْعَتــــــــــي

ودونَك أهلَ الله فالْزَمْ وِدَادَهــــــــم       وقُربتَهم فالبـابُ منهم لحضْرتـــــــــي

وإيَّـاكَ والتدبيرَ للـرِّزْقِ إنَّـــــــــــه      يجُرُّ إلى التشكيكِ في سرِّ كلْمتـــــــــي

وإيَّـاكَ والتحجيرَ للحقِّ إنَّــــــــــــه      تجلّى بتلْويـن علـى لَوْنِ قَبْضتـــــــــي

ودُونَك فكرَ الوهْم فالْغِهِِ إنّـــــــــــه      مُؤَدٍّ إلى تقييـد عقلٍ وصـورتــــــــــــي

ودُونَك والتّجريدَ للقَلْبِ إنّـــــــــــه       هو الغَرَضُ الأقصا ونَيْلُ الطّريقتـــــي

ودُونَك والإطلاقَ في كلِّ ما تـــرى      فذاكَ مُـرادُ الحقِّ عَيْنُ الخليقتـــــــــــي

ودُونَك ذُلّ النفْـسِ فابْغِهِ إنّــــــــــه       يُرقي علـى الأفلاكِ فوق المجرَّتـــــــي

ودُونَك حُسْن الظَّنِّ فهو المُنَى والفــوزُ والنَّيْل للخيرات في كلّ رُتْبتــــــــــــــي

وإيَّاك سـوءَ الظنِّ بالمرءِ إنَّــــــــهُ      هـو المقْتُ في الدّارَيْن بين البَريتــــــــي

وإيّاكَ والإعطاءَ للنَّفْس حظَّهـــــــا      فذاك هـو الإغواءُ أصلُ البَليتـــــــــــــي

ودونَك والتمزيقَ للعِـرْضِ إنّــــــه      هـو الآيةُ الكبرى وسُبْلُ المحَجَّـــــــــتي

وإيـّاكَ والإكثـارَ للأكْلٍ إنّـــــــــــه       مُضِـرٌّ وللإرخـاء بـادٍ بشَهْوَتـــــــــــــي

وإيّـاكَ والإكثـارَ للنَّوْمِ إنّــــــــــــه       يُقَسِّي عليك القَلْبَ في كلّ مَرَّتـــــــــــي

وإيّـاكَ أن تَنْعى لنفْسِك والْقِـــــــها       على الزَّبْل إن شئْتَ المعالي بسُرْعتـتتي

ودونَـك وُدَّ الوُّدّ فاحْفَظْه إنَّــــــــــه      علامـةُ إيمـانٍ ومَـزْج المودَّتــــــــــــــــي

ولا تنسَهُ بيْن الأعادي لأَجْــــلِ أن       تقومَ بأمْـرِ الحقِّ أمْـرِ الأُخُوَّتـــــــــــــي

ولا تَنْسَ من أولاكَ خيـــراً لأنّ ذا       طِباعٌ لأحـرار نأَوْ عن كَثافَتـــــــــــــــي

وإيّاكَ والأغْيارَ لا تكترتْ بهــــــا       لأن شهودَ الـحقِّ يُفني البقيتــــــــــــــــي

وطهّرْ قبيلَ العَصْرِ كلّك مخلـــصاً       والْـقِ وُجُودَ الظِّلٍّ في ماء وَحْدتـــــــــي

وكَبِّر على الأكوانِ تكبيرَ مَيِّـــــتٍ       تفانى عن الإحساسِ لَمَّا تَجَلَّـتـــــــــــــي

وألقِ مثالَ الظِّلِّ في صُبح شمسها       وصارٍمْ شكوكَ العقلِ في شأنِ سجدتــــي

وصلِّ صلاةَ الجَمْع في فَرق جمعهِ       لكي تنـزوي عنك البقايا الكثيفَتــــــــــي

تصيرُ بمرأى للخطـاب ومَسْمَـــــعِ      محلاًّ لنَفْثِ الـرُّوحِ إرث النُّبوءَتـــــــــي

فحَيْهلاً بالشُّكر فيهـا وواصِِــــــــتلَنْ      ودَعْ عنكَ أربابَ الدَّعاوى السخيفتـــــي

وشقِّقْ عليها الثوبَ والقلبَ واشطِحَنْ    على الكون في حاناتِ جَمْعِ الأحِبتــــــي

ودونَكَ والإكثـار للذّكرِ إنَّــــــــــــه       صقيلٌ لمرءاة الفـؤاد الصَّديّتــــــــــــــي

ومزِّقْ ثيابَ العزِّ في جنبِ وصلها       فإنَّ فناءَ النَّفْسِ شـرطٌ لوَصْلَتــــــــــــــي

تنـزَّه عن الشِّرْك الخفيّ فإنّـــــــــه      تبدَّى على كل بأحسن صـورتـــــــــــــي

ودونَـكَ مرمانـا فرُمْه فإنّــــــــــــه       محجَّتُنـا البيضا وأوْثَقُ عُرْوتــــــــــــــي

طريقتُنا أربَتْ على الفُلْك تبتغـــي       مراتبَ فوق الفوقِ من بين إخْوتــــــــــي

سُلالتُنا فاقـت سُلالَةَ من غَـــــــــدا      جليسَ بِساطِ القُرْب من فتح خوختـــــــي

سُلافَتُنا نَمَتْ على سطح حانـــــــة       أتَتْ برَقيق الغَزْل إرْثِ النُّبوءتــــــــــي

لواؤُنا خفّاقٌ على كلِّ من دنَــــــــا       حظيرةَ قُدس الفَيْضِ من وشْيِ حُلَّتــــــتي

أتيْنَا بغَزْل الفتحِ من حَضْرة الغِنى       بإذن رسول الله شيخي وعُمْدتـــــــــــــي

فعنْهُ أخذْنا مـا تَدَفَّقَ جَهْـــــــــــرَةً       على صغـر الأجرام حين شبيبَتــــــــــــي

نَجُرُّ ذُيُولَ العِزِّ في جَنْبِ وصْــلِه       على رُتْبَةٍ قعسا بأقصى حَظيرَتــــــــــــي

بدايتُنـا فاقتْ نهايـةَ غَيْرِنـــــــــــا       فليـسَ الثُّرَيَّـا للثَّرى بقَرينَتــــــــــــــــــي

لنا الدَّولةُ العليا لدى الهَوْلِ نرتقي       على نهْجِ بَحْرِ الفضلِ قُطْـب المجرّتـــــي

لقد ركبتْ مَتْنَ السَّعادة وانثنــــتْ       عن الطَّرْدِ والإبعادِ بل كلِّ شقـوتــــــــــي

وحازتْ سعاداتٍ تقاعَدَ دونَـــــها        أسُودُ الوَرى من أُسِّ مركزِ نقطتـــــــــــي

قد اقْتَطفوا من أَيْمَنِ القَبْضَةِ التي        حَبَتْهُم فحازوا الفضْلَ من كلِّ وجْهَتـــــــي

كذا كلُّ مارٍّ في الطريـــق راءهم       حَبَتْـهُ سعـاداتٌ ففـاز ببُغْيَتـــــــــــــــــــــي

على رغم أهل البُعْدِ نالوا مفاخراً       فحيْهلا بالقرب منـا لْحَضْـرتـــــــــــــــــي

ومَن هو من أَهْلِ المعارِفِ شمَّنـا       فأبْدى عُشَيْرَ العُشْرِ في شأنِ صُحْبتـــــــي

ومن هُو من أهْلِ المعَارِجِ عابَنـا       وأنكرنـا والجهْل شأنُ البَريَّتــــــــــــــــــي

كذا كلُّ من والى بجنبه مُعْـرِضـــا      عن الصّدقِ والتَّصديقِ باب زاويَّتــــــــي

لنا الخَوْض في بحر العجائب جَهْرَةً    ولسنا أُسارى الغير في فتح عُجْمَتـــــــــي

ومن رام مَنْحىً فلْيَرُمْهُ فعندمــــــا       يُرجَّى التَّلاقي تَنْـزَوي عينُ شُبهَتــــــــي