(...) إن التصوف الإسلامي هو سلوك إرادي ظاهري وقلبي متواصل مستند إلى شريعة الإسلام، دعامته الفضائل الخلفية الإسلامية، له دوافع وحوافز ترجع إلى استعداد خاص يتفاوت لدى الأفراد، وإلى عقيدة الإسلام، وإلى تجربة شخصية مرتبطة بظروف بيئية. وهدف هذا السلوك هو التقرب من الله، وغايته القصوى الوصول إلى الحضرة الإلهية والاتصال بها، الأمر الذي يترتب عليه حدوث الفناء واكتساب العرفان والتحقق بالطمأنينة والسعادة القصوى.

إذن، جوهر التصوف تقرب إلى الله سبحانه وتعالى وهذا التقرب يتم بالقيام بالفرائض كلها ثم بالنوافل، وهذه لا تشمل العبادات المعروفة من صلاة وصيام وزكاة وحج فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى فعل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة (...).

علما بأن كل فعل أو سلوك يحبه الله ورسوله هو من التصوف وداخل فيه، ومطلوب فعله من المسلم ومن الصوفي على حدّ سواء، أما الأمور التي لا يحبها الله ورسوله فهي ما نهي عن فعله أو الاقتراب منه، وقد دخل إلى التصوف الإسلامي عبر تاريخه الطويل العديد من الأمور التي لا أصل لها في الإسلام، أو هي مخالفة لمقاصد الإسلام، ومن ذلك فهم التوكل على الله على أنه تواكل، أي ترك الأخذ بالأسباب، أو ترك التعليم طمعاً في الوصول إلى المعرفة الإلهية، فساهم ذلك في نشر الجهل بين الناس، وكثرة ادعاء الكرامات، ووصل الأمر ببعض مدعي التصوف إلى القول برفع التكاليف بدعوى الوصول إلى الله ومعرفة الحقائق، أو دعوى محبة الله والوصول إلى مقام الرضا. (...)

وتستمد مشروعية التصوف الإسلامي من الإسلام، من الكتاب والسنة، وهذا ما حرص الصوفية قديماً وحديثاً على إبرازه وإثباته، فبينوا أن علومهم مأخوذة من الكتاب والسنة، وحرروا في ذلك كتباً وفصولاً عديدة.

ولا ننكر وجود جدل حول مشروعية التجربة الصوفية في الماضي وفي الحاضر، ونحن نرى أن جانباً من هذا الجدل يرجع إلى أمرين، الأول: سوء فهم لحقيقة التصوف من قبل بعض الصوفية أنفسهم ومن الآخرين أيضاً.

والثاني: العديد من الممارسات التي دخلت إلى حلقات الصوفية وسلوكهم مما لا أصل في الدين، وما افترضته في سؤالك من وجود قطيعة بين المفكر المسلم الحديث والمعاصر وبين التراث الصوفي يمكن إرجاعه إلى سوء فهم حقيقة التصوف، والجهل بحقيقة التصوف يفتح الباب أمام معاداته، فالإنسان عدو ما يجهل ـ كما قيل ـ وبمناسبة ذكر القطيعة مع التراث، نود أن نؤكد أن المفكر المسلم المعاصر لا ينبغي أن يتبنى موقف القطيعة مع تراثه بل عليه أن يجعل فكره امتداداً للتراث في صورة من الصور: التجديد أو التطوير أو النقد البناء الذي يبقي الإيجابي وينفي السلبي، أو إعادة صياغة ما يمكن أن يستثمر من هذا التراث في صورة ملائمة للعصر أو غير ذلك من الصور(...).