خطب منبرية جيدة خطب بها في كل من مساجد "كينشاسا" عاصمة جمهورية زاير آنذاك، في الجمع وفي الأعياد عندما كان على رأس المكتب الإقليمي لرابطة العالم الإسلامي بإفريقيا الوسطى في الثمانينات، وبالمركز الإسلامي الثقافي لإيطاليا بروما عندما كان أمينا عاما لهذا المركز خلال ثماني سنوات في التسعينات.


دور خطب الجمعة في الدعوة والإرشاد

لفضيلة شيخ الطريقة الكتانية : الأستاذ عبد اللطيف الشريف الكتاني

ويسعدنا أن نقدم لزوار موقع الطريقة الكتانية الإلكتروني من الأحباب والمريدين والمنتسبين، وكل الناس الأخيار، واحدة من روائع تلك الخطب المنبرية تحت عنوان: فضائل الجمعة وخصائصها. وسنواصل بحول الله كلما سنحت الفرصة نشر تلك الخطب النفيسة، نظرا لمعانيها الرفيعة، ومضامينها العالية، وأهدافها النبيلة في التوعية والوعظ والإرشاد.

فضائل الجمعة وخصائصها

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وأذاق الطائعين حلاوة الطاعة والإيمان، وعلّق قلوب المتقين بالمساجد والصلاة مع الجماعة، القائل جل جلاله: (إنما يعمُرُ مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين).
نحمده ونشكره، ونستعينه ونستغفره، ونومن به ونتوكل عليه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو، شرع أداء الصلوات جماعة والجُمع في المساجد، لما فيها من منافع كثيرة، وفوائد جمّة تعود بالنفع العميم، والأجر الجزيل على عباد الله المتقين.
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صاحب الشفاعة العظمى القائل : "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة"، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وذريَّته وأهل بيته، صلاة وسلاما تامَّين إلى يوم الدين وسلَّم تسليما كثيرا.

أيها المسلمون والمسلمات :

يقول الله عزّ وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
إنه نداء رباني، ودعوة من رب الأرباب لعباده إلى مائدة الرحمن، مائدة الخير والبركة، والرحمة والرضوان، دعوة إلى ذكر الله، والتعرض لنفحات الله. إنه يوم أكرم الله به أمتنا الإسلامية، وخصّه بمظاهر ترفع من شأن هذه الأمة لما له من مكانة عُظمى عند الله عزّ وجلّ وفي قلوب المؤمنين.
عباد الله، إن ليوم الجمعة قدسية، وللمسجد حرمته، ولجموع المسلمين احترامه ومكانته، لأنهم ضيوف الله في بيوت الله، يذكرهم إذا ذكروه، ويشكروهم إذا شكروه، ويستجيب لدعواتهم إذا دَعوه، قال تعالى: (فاذكروني أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون).
وقال مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما طلعت الشمس ولا غابت على يوم خيرٍ من يوم الجمعة، هدانا الله له، وضلَّ الناّسُ عنه". إنه من أحب أيام الله وأكرمها عليه، فيه ساعة لا يُردّ فيها الدعاء.

أيها المسلمون والمسلمات :

إن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع بالكتاب والسّنة ميَّزه الله بمزايا عظيمة، وخصائص كبيرة، نُذكِّركم ببعضها حتى يعرف الناس قدَر هذا اليوم العظيم، فيقومون بأداء واجبه خير قيام، استجابة لرب الأرباب، وتلبية لدعوة خير الأنام، سيدنا محمد عليه الصلاة وأفضل السلام، القائل : " إن لربكم في أيام دَهركم نفحات، ألا فتعرَّضوا لها".
وفيها بعض خصائص هذا اليوم الكريم :

1- إنه يوم من أحب أيام الله وأكرمها عليه، فيه ساعة مباركة لا يُرد فيها الدعاء، ولا يُوافقها عبد مسلم وهو قائم يُصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، ما لم يسأل إثما. وورد في الحديث: "إنها تُوافق ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنتهي الصلاة.
2- إنه يوم أتمّ فيه الله عز وجلّ خلق السماوات والأرض، خلقها في ستة أيام ثم استوى على العرش. أولها: الأحد، وآخرها: الجمعة.
3- إنه خير يوم طلعت عليه الشمس، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها. ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة.
4- يغفر الله فيه الذنوب والخطايا، لأن الجمعة كفارة لما بينهما.
5- إنه يوم عيد أسبوعي للمسلمين، يستبشرون فيه بنعمة من الله، ويسارعون فيه إلى العمل الصالح، وفعل الخيرات.
6- إن فريضة الجمعة لا تؤدى إلا جماعة، وففي بيوت الله، ومساجده الجامعة.
7- إن فريضة الجمعة لا تتم إلا بالخُطبة التي يُزوِّد فيها الخطيب المصلين بالمواعظ الحسنة التي تحفظ إيمانهم وتصون أخلاقهم.
8- إن صلاة الجمعة تُنَمي في المسلمين روح الجماعة والتآلف والتآخي.
9- إن صلاة الجمعة تعوِّد المسلمين على الالتقاء على الخير، والتعاون على البر والتقوى، والبعد عن الإثم والعدوان.
10- إن صلاة الجمعة، تجعل المسلم يشعر بأخوة الإسلام.
11- إن الباري جلّ وعلا يتجلى في يوم الجمعة لأوليائه في الجنة ويزورونه، فيكون أقربهم منه عزّ وجل، أسبقهم إلى الذهاب إلى المساجد في يوم الجمعة.

فاتقوا عباد الله واعرفوا قدر هذا اليوم الكريم، واغتنموا ما خصّ الله به يوم الجمعة من فضائل، ولنحرص ما وسعنا الحرص على القيام فيه ما استطعنا بكل عمل صالح لنفوز برضوان الله الأكبر، ولنكون من أهل الله المصطفين الأخيار، الذين ينطبق عليهم قول الله عزّ وجل : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).

أيها المسلمون والمسلمات :

لكل ما تقدم يجب علينا أيها المؤمنون المتّقون أن نعتني بيوم الجمعة غاية الاعتناء، ونتأهب لاستقباله بكل حفاوة وتقدير، وشدّ الرحال إلى المساجد فيه قبل أن يحِلّ وقت النداء، وأن لا نكون عنه من الغافلين، ولا عن نفحاته من المعرضين، فإن خير لحظات العمر هي اللحظة التي يشرق فيها النور الإلهي على القلوب فيغمرها، وعلى النفوس فيُطهرها. والمؤمن الموفَّق هو الذي يتعرّض للنفحات الربانية فيغتنمها. قال الله تعالى : (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين). وقال تعالى مثنيا على عباده الصالحين : (أولئك يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون).

أيها المسلمون والمسلمات :

إن التجمعات الإسلامية التي يلتقي فيها المؤمنون والمؤمنات على تقوى من الله ورضوان، تزيد المؤمنين إيمانا، والمحسنين إحسانا، ففيها تُطهَّر النفوس، وتستيقظ الضمائر، ويتنبّه الغافل، وتهتزّ المشاعر، وتطمئن فيها بفضل ذكر الله القلوب.
ولتحقيق هذه المقاصد الشرعية المنبعثة من صميم التعاليم السماوية، شرع الله صلاة الجماعة والجمعة، لتكون السبيل الأقوم، والطريق الأقرب الموصِّل إلى الله ونيل مرضاته.

أيها المؤمنون والمؤمنات :

يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه : (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد). وروينا عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من اغتسل، ثم أتى الجمعة، فصلّى ما قُدّر له، ثم أنصت حتى يَفرُغ الإمام من خُطبته، ثم يصلي معه، غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام".
ويُستحب التجمل للصلاة، وبالأخص صلاتي الجمعة والعيد، كما يُستحب التطيّب لأنه من الزينة، ولُبس أحسن اللباس. ومن أفضل اللباس الثياب البيض، لقوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم باللباس البيض فالبِسوها فإنها أطهر وأطيب، وذلك لما توحي به من مزيد التجمل والوقار المناسبين لوقوف العبد بين يدي ربه، نقيّ الظاهر والباطن. ويدخل هذا في باب التحدث بالنعمة المأمور به في قول الله تعالى : (وأما بنعمة ربك فحدث).
وحذاري حذاري عباد الله من تخطي الرقاب، فيجب على المصلي أن يجلس أينما انتهى به المجلس. روى الإمامان أحمد والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة، اتخذ جسرا إلى جهنم ".
وليحذر المسلمون كذلك ترك صلاة الجمعة، أو التهاون بأمرها والتخلف عنها لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، لكون التخلف عن صلاة الجمعة سبب للختم على القلب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاونا بها طبع الله على قلبه". وفي لفظ آخر : " فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره".

أيها المؤمنون والمؤمنات :

إن من آداب يوم الجمعة استحباب قراءة سورة السجدة "السورة 32"، وسورة الإنسان في صلاة فجرها "السورة 76"، وتلاوة سورة الكهف في يومها "السورة 18"، وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ، فإذا كان يوم الجمعة كان على باب كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المبكّر للجمعة كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي كبشا، ثم كالذي يهدي دجاجة، ثم كالذي يهدي بيضة.
وعليه، فعلى المصلي إذا دخل المسجد أن يؤدي تحية المسجد، ثم الاشتغال بالذكر والدعاء إلى أن يرقى الخطيب المنبر، والإنصات الكامل للخُطبة، لكونه واجبا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلتَ لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوتَ"، "ومن لغى فلا جمعة له".

أيها المسلمون والمسلمات :

إن من حضر من المؤمنين والمؤمنات الجمعة وصلاتها بشروطها وآدابها يحظى بالمغفرة والقبول في الصلوات الأخرى.
ونستخلص من هذا العرض أن يوم الجمعة من أفضل الأيام وأكرمها على الإطلاق. ففيه من الأسرار الإلهية، والحكم الرّبانية الخفية والظاهرة، ما يتعذر على المرء الإحاطة بجميعها، إلا أننا سنحاول سبر غورها والغوص في بحرها قدر المستطاع لعلوّ شأنها وعظيم قدرها. وأعتقد أن من بين هذا الحكم والأسرار ما يلي:
- إظهار قوة دين الله، وإظهار فضائله ومُثُلِه العليا وأخلاقه العالية، وإظهار صفاء شعائر الإسلام ونقاوتها، ومقاصده السامية، وإظهار محاسنه وثقافته وتوجيهاته الرشيدة للإنسانية جمعاء، وحلوله المثلى لمشاكل العصر التي يتخبط فيها الإنسان، والترسيخ في العقول بالحجة وبالبرهان، وللقريب والبعيد، والعدوّ والصديق.
- أن الإسلام دين التسامح، ودين التعاون، ودين التعايش ودين العلم والثقافة المتجددة والحضارة المتطورة، ودين المدنية والمحافظة على حقوق الإنسان منذ البعثة النبوية إلى الآن، وسيبقى كذلك بحول الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

إخوة الإيمان :

على المسلمين أن يقدروا مسئولياتهم إزاء البشرية جمعاء، بأن يكونوا مؤمنين حقّ الإيمان، مستقيمين تمام الاستقامة، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم".
علينا كذلك أن نسعى ونعمل بصدق، لكي يتجلى في الجمعة مدى اجتماع كلمة المسلمين، ووحدة صفهم، ووحدة هدفهم لخدمة الإنسانية جمعاء، وبذلك يكون اجتماع المسلمين في عباداتهم فيه خير وبركة، وإصلاح وفلاح وهدى وتقوى، تتنزّل عليهم الرحمات والسكينة والوقار من رب الأرباب.
فكفى ما أصاب العالم الإسلامي من فُرقة وصراعات أضعفته وشغلته عن مواجهة ما يحيط به من أخطار ومن تحديات هذا العالم، ومن تحديات العصر وتحديات الحياة اليومية.
فالفرقة كما هو معلوم آفة مهلكة ومدمّرة، والاتحاد قوة، قال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيات، وأولئك لهم عذاب عظيم). وقال تعالى : (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد).
فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على تلبية نداء الله إلى مأدبة رضوانه وغفرانه، وتأهّبوا لاستقبال الجمعة وشدّ الرحال إليها قبل أن يحلّ وقت النداء، واجتهدوا في الذكر والشكر لله، ولا تكونوا عن الجمعة من الغافلين، لتحصلوا على الدرجات الرفيعة من الأجور التي خصّ الله بها عباده المتعرّضين لنفحاته، المسرعين لنيل مغفرته ورضوانه، (سارعوا على مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) صدق الله العظيم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبحديث رسوله الصادق الأمين، وأجارني وإياكم من عذابه المهين، وجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، أولئك هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.