إن الثقافة أيها السيدات والسادة في المفهوم الإسلامي، هو المفهوم الوارد في قاموس الأمم المتحضرة، تشمل: العقيدة، وجميع العلوم والمعارف بصفة عامة، من مختلف الفنون والقيم الأخلاقية، والقانون، والعدل، وحقوق الإنسان بمفهومها الواسع، وكل التقاليد والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضو في مجتمع من المجتمعات، وكل ما من شأنه أن يضمن حياة كريمة للانسان من قيم حضارية وأخلاق سامية.

ذلك أن الثقافة بمعناها الواسع، بجميع عناصرها ومكوناتها، لتمثل البعد المعنوي للحضارة الإنسانية، بما تتضمن من عقائد وشرائع وقيم، مما يمكن أن نعتبره نظاما معينا إنسانيا كاملا في مواجهة الحقيقة ليصل الإنسان إلى حياة أفضل، ترقى به مع مختلف العصور والأزمان، ليصبح هذا الإنسان له دور ايجابي فعال، في التقدم العلمي والثقافي والتيكنولوجي والحضاري.

إن تعاليم الإسلام أيها السادة والسيدات، يمكن أن نقول عنها إنها امتداد لما جاءت به الشرائع السماوية، ولما أقرته القيم الأخلاقية، وما أجمعت عليه النظم والقوانين الوضعية والدولية، من تأكيد لقيمة الإنسان وحرمته وكرامته كإنسان، بصرف النظر عن عقيدته أو جنسه أو لونه أو لغته، فهو يقرر حق كل إنسان في النهل من ينابيع الثقافة والعرفان الصافية، ويؤكد على تأمين حقوقه الأساسية كإنسان، حيث جعل العلاقات الإنسانية قائمة على التعارف والتعاون والتآلف بين أبناء البشرية جمعاء.

يقول الله تعالى في هذا السياق، في سورة الحجرات رقم 49 الآية 13 (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقال رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه".

بل إن الإسلام أيها الإخوة، قد جعل اختلاف ألوان الإنسان، واختلاف لغاته وأجناسه وأعراقه، وتعدد ثقافاته، من المعجزات الدالة على قدرة الخالق عز وجل، بدليل قول الله تعالى في سورة الروم رقم 30 الآية 22: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين).