أيها الجمع الكريم:


لقد وددت أن أغتنم فرصة هذا اللقاء لأتدرج في الحديث عن الأهداف النبيلة التي يسعى المركز الإسلامي الثقافي بروما لتحقيقها، ويعمل جاهدا على تنفيذها بحسب الإمكانات المتاحة، مساهمة متواضعة منه في تعميق جذور الحوار والتعاون بين مختلف الثقافات المتساكنة بالبلاد، والعمل على تعزيز سبل التعايش بين مختلف التيارات الثقافية التي مازالت تبدو وكأنها متصارعة فيما بينها، وبذل أقصى الجهود لبلورة القاسم المشترك بين تلك القيم الثقافية الأساسية، للوصول إلى تعايش فعلي فيما بينها فأقول:

1 ـ المساهمة في الأنشطة الثقافية، وفي الندوات والمؤتمرات المنظمة على الصعيدين المحلي والدولي. ولا أدل على ذلك من وجودنا بين ظهرانكم.

2 ـ التعريف بحقيقة الإسلام، وبمحجته البيضاء، وبالحضارة الإسلامية وبالفكر الإسلامي، مع التركيز على سماحة الإسلام وعدله، ووسطيته وشموله للعبادات والمعاملات، ومكارم الأخلاق التي ترمي إلى إصلاح البشرية، وتؤدي إلى السلام بجميع أشكاله: السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والغذائي.

3 ـ الإسهام في نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة، والعمل على ترشيد الحوار بين الناس جميعا على اختلاف مذاهبهم وثقافتهم بصفة عامة، وبين أتباع الديانات السماوية بصفة خاصة، والعمل على جعل هذا الحوار، قائما على الحكمة والحجة والموعظة الحسنة، انطلاقا من قول الله تعالى في سورة النحل رقم ۱٦ الآية: ۱۲٥ (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، وقول الله تعالى، في سورة الممتحنة رقم: ٦۰ الآية ۸ (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

4 ـ السعي للحفاظ على الهوية الإسلامية للمرأة المسلمة في المهجر، عن طريق الإعتناء بالتعليم، ونشر الثقافة الإسلامية الصححية، والأخذ من الثقافة الغربية، ما يتلاءم منها مع الأعراف والتقاليد والمفاهيم الإسلامية، لكون الإسلام ضمن للمرأة حقوقها الكاملة في رحابه، بأن جعلها متساوية مع شقيقها الرجل في الأحكام.

وعليه، فلكي يعطي هذا التجمع الإسلامي في ايطاليا ثماره، ولكي لا يكون طاقة مهدورة، وحتى لا يكون عالة على المجتمع الذي يعيش فيه، فإننا جعلنا كل اهتماماتنا تنصب على إعطاء الأولوية لدعم الثقافة الإسلامية، والعمل على نشرها، والتعليم الإسلامي، وذلك بوضع مناهج له راعينا فيها الثوابت الواردة في الكتب المنزلة، والواقع الأوروبي للحفاظ على الهوية الإسلامية للجالية المسلمة المقيمة بهذه الديار لجعلها طاقة خلاقة، تساهم في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد.

تلكم أيها السيدات والسادة: كانت نظرة موجزة للأهداف التي نسعى لتحقيقها ونعمل جاهدين لتنفيذ خططها، مساهمة متواضعة من المركز الإسلامي الثقافي لإيطاليا في تعميق جذور الحوار والتعاون بين مختلف الثقافات.


أيها الحضور الكريم:

بما أننا في عصر اصطبغ فيه سير الحضارة الإنسانية بالإبتعاد عن هدي الروح، وعن التعاليم السماوية، والتفاف الناس حول الماديات، فإننا ندعو إلى فتح حوار حقيقي يهدف إلى تعميق جذور التعارف والتعايش بين مختلف الثقافات، بطريقة فيها الشيء الكثير من التسامح، تأليفا لقلوب الناس، والأخذ بنواصيهم إلى طريق الحق والهدى، وتوجيههم الوجهة الصالحة إلى منابع الخير، وأصول الفضيلة، المفضية إلى الإيمان بالقيم السامية، من حسن في المعاملة، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية: من البر والرحمة والإحسان. وهي الأمور التي تحتاج إليها المعاملة اليومية لتعايش فعلي.

وانطلاقا من هذه المبادئ، فإننا نؤكد على ضرورة نبذ كل الخلافات، وتجنب كل الصراعات التي لا تجلب إلى الحقد والكراهية، وتحكيم العقل والمنطق في كل ما قد يحدث من نزاعات، واحترام قيم وتقاليد وثقافة كل الفئات.

فإننا إذا تمسكنا بهذه المبادئ، وتبنيناها جميعا، ففي اعتقادنا أن كل شيء سوف يصبح هينا مقبولا، لأن من عرف ما قصد هان عليه ما وجد.

ومجمل القول: فإن كل ما نريد تحقيقه، وما نتمنى أن نخرج به من توصيات، ونتائج سارة، من هذه الندوة الدولية التاريخية، في اعتقادنا أنه سوف لا يتم، إلا عن طريق تبادل ثقافي حقيقي وتفتح بعضنا على البعض. وبذلك يتسنى معرفة بعضنا بعضا عن قرب، فتتضح الرؤيا، ويسهل معرفة المحجة البيضاء التي ينبغي أن نسير عليها جميعا، والتي لا يزيغ عنها إلا هالك.

أقول: إذا اتضحت الرؤيا فإن جميع العقبات والحواجز سوف تذلل، وتفتح الأبواب الموصدة، فنسير على المحجة البيضاء المؤدية إلى طريق الخير وإلى طريق المستقيم طريق التعارف والتعاون والتعايش الحقيقي في هذا البلد الأصيل.

إن الطريق أيها الإخوة المؤمنون، الموصل إلى الهدف المنشود، طريق طويل وشاق، وغير مفروش بالورود، إلا أننا نعتقد أنه إذا صلحت النيات، وصفت السرائر، وعملنا جميعا يدا في يد، على أساس من الثقة والاحترام للثوابت والمقدسات لدى الجميع، خصوصا الواردة فيها نصوص شرعية صريحة في الكتب السماوية، وجعلنا نصب أعيننا موضوع الحفاظ على الهوية الثقافية لكل الناس أمرا مفروغا منه، ومسلما به، فإننا سنصل في النهاية إلى الأهداف المنشودة.

إننا نشاطركم أيها الإخوة هذه الطموحات، وهذه التطلعات، ونؤيد مبادرتكم المباركة، في هذه الندوة الدولية الهادفة، ونؤكد لكم كامل استعدادنا وتعاوننا للمساهمة بكل امكاناتنا المتاحة، لإنجاح مسعاكم النبيل.

نشكركم مرة أخرى من الأعماق، وندعو الله أن يكلل أعمالنا بالنجاح، ويوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، وأن تسفر هذه الندوة الدولية التاريخية على توصيات هامة، ونتائج سارة، تعم بركاتها الأجيال الحاضرة والمستقبلة. آمين