كم أنا سعيد أن أجيب على مجموعة من الأسئلة التي تفضلتم بتوجيهها إلينا، لنشرها في العدد الأول لمجلتكم الغراء، الذي سيصدر باللغة العربية، بمناسبة افتتاح مسجد روما الأعظم والمركز الإسلامي الثقافي لايطاليا صبيحة يوم الأربعاء 23 الحرام 1416 هجرية، موافق 21يونيه 1995 ميلادية.


1- متى يجري حفل تدشين المسجد والمركز الإسلامي الثقافي لايطاليا ؟

2- من هي الشخصيات من العالم الإسلامي التي ستشترك؟ ومن هي من الحكومة الايطالية ومن الكنيسة الكاثوليكية ؟

3 ـ كيف جرى بناء المركز الإسلامي ؟

4 ـ ما هو الإسهام الذي سيقدمه المركز الإسلامي إلى مدينة روما ؟

5 ـ هل لكم اتصال مع المراكز الثقافية ومعاهد الكنيسة الكاثوليكية؟ واليهودية ؟

6 ـ هل هناك مبادرات معينة تنوون القيام بها في هذه السنة ؟

7 ـ المركز الإسلامي، يمكن أن يتردد عليه فقط مؤمنون مسلمون، أم أيضا من الآخرين ؟

8 ـ في الماضي، حصل بعض سوء التفاهم مع بعض سكان الحي، حيث يوجد المركز الإسلامي، هل تم تجاوزه ؟

9 ـ يعيش العالم الإسلامي حالة توتر في الداخل، بسبب ما يسمى الأصولية الإسلامية – ماذا ستكون مساهمة المركز الإسلامي لحل هذا التوتر ؟


يطيب لي بهذه المناسبة أن أتوجه إليكم شخصيا ولكافة أسرة تحرير هذه المجلة بالشكر الجزيل على الاهتمام البالغ الذي أوليتموه لهذه المناسبة السعيدة، بدافع الرغبة في التعريف بهذه المعلمة الإسلامية الحضارية التي قامت في روما بفضل الله، ثم بفضل الدعم السخي الذي قدمه ولا زال يقدمه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، منذ تاريخ نشأتها إلى تاريخ إتمامها على الوجه المشرف الذي ترونها عليه الآن، ثم بفضل دعم المملكة المغربية، التي قدمت مساهمات مشكورة في تنفيذ أشغال زخرفة المسجد الأعظم والمركز، على طريقة الفن المعماري الإسلامي المغربي، وبفضل مساهمات ودعم من معظم الدول العربية والإسلامية، وجهود بعض المحسنين، وعدد لا يستهان به من الأصدقاء الأوفياء المخلصين، وعلى رأسهم صاحب المعالي السانتور "جوليو أندريوتي"، رئيس الحكومة الإيطالية الأسبق، الذي كان له دور فعال في إخراج هذا الصرح الإسلامي العظيم إلى حيز الوجود تخليدا للصداقة العربية الايطالية وتجسيدا للعلاقات القائمة في ايطاليا بين أتباع الدين الإسلامي وأتباع الديانات السماوية.

إنني أغتنم هذه الفرصة الطيبة لأذكر بكامل الشكر والتقدير الدعم المتواصل الذي حظي به هذا المشروع منذ بدايته إلى الآن من طرف الحكومة الايطالية على العموم ومن بلدية روما ورؤسائها المتعاقبين على الخصوص. ذلك أن الهدف من إنشاء المسجد والمركز الإسلامي الثقافي لايطاليا بجانبه، بمثابة توأمين متلازمين، هدفهما الوحيد هو التعريف بحقيقة الإسلام الناصعة، الداعي إلى السلام والتعارف والمحبة والأخوة والتعاون، وتربية الجالية الإسلامية تربية رفيعة، حتى تصبح نموذجا للمسلم الذي يتوخى الوسطية في حياته ومعاملاته ويعطي الدليل على استعداده للمساهمة في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في هذا البلد، اعترافا منه بحق الضيافة وأنه يسعى للكد والعمل دون كلل ولا ملل، لكسب رزقه لئلا يكون عالة أو عبئا على هذا البلد المضياف.

دعا مجلس إدارة المركز الإسلامي الثقافي لايطاليا لحفل الافتتاح عددا من كبار الشخصيات من العالم العربي الإسلامي ومن العالم الغربي ومن حاضرة الفاتيكان وفي طليعتها من الجانب الايطالي الصديق، فخامة رئيس الجمهورية الايطالية الأستاذ "أوسكار لويجي سكالفارو" الذي سيترأس شخصيا، بإذن الله، حفل الافتتاح، وعمدة بلدية روما الأستاذ "فرنشسكو روتللي" وعدة شخصيات لها وزنها على مختلف الأصعدة السياسية منها والعلمية والثقافية والفنية والاجتماعية والإعلامية.

أما من حاضرة الفاتيكان، فقد وجهت الدعوة إلى عدد من كبار الشخصيات الكاثوليكية، من أصحاب الحل والعقد، وفي طليعتهم الكاردينال "أنجلو سودانو" سكرتير حاضرة الفاتيكان، والكاردينال "فرنسيس أرينسي"، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، والكاردينال "كاميللو رويني" نائب قداسة البابا لأبرشية روما والمطران "هيلارين كبوتشي" وآخرين.

أما من الجانب الإسلامي والعربي، فقد وجه مجلس الإدارة كذلك الدعوة لعدد من كبار الشخصيات الإسلامية، وأصحاب السمو والمعالي، والفضيلة، وفي طليعتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة الرياض، الذي سيشرف الحفل الرسمي للافتتاح نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أعزه الله، والدكتور أحمد محمد علي الامين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور عبد الله بن عمر نصيف، نائب رئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، والدكتور "حامد الغابد" الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والدكتور "عصمت أحمد عبد المجيد" الأمين العام لجامعة الدول العربية، والدكتور "عبد العزيز التويجرى" المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية، والإمام الأكبر شيخ الأزهر "جاد الحق علي جاد الحق"، والدكتور "كامل الشريف" الأمين العام للمجلس الإسلامي للدعوة والإغاثة، والداعية الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، وغيرهم من الأعلام البارزين في مختلف الميادين الدينية والعلمية والثقافية والاجتماعية.

مما هو معلوم، فإن الحرب العالمية الثانية قد خلفت دمارا وضحايا وخسائر فادحة في الأرواح والاموال، تضررت منها البشرية في العالم أجمع، مما حمل الدول الأوربية المتضررة على الخصوص من هذه الحرب الضروس على فتح أبواب حدودها على مصاريعها لليد العاملة الوافدة من شمال إفريقيا، التي ترزح بلادها تحت وطأة المستعمر، وعدم تكافؤ الفرص في الشغل والكسب، ومن باكستان كذلك وتركيا، لإعادة هياكل بنيتها التحتية والاقتصادية والعمرانية المتضررة بهذه الحرب التي أتت على الأخضر واليابس.

وقد كان عدد الوافدين على ايطاليا من المسلمين قليل إذ قيس بالوافدين منهم على فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الذي حملهم التيار الاستعماري الجارف الذي عرفته بلادهم، على الهجرة طوعا أو كرها هروبا من الظلم والطغيان الذي كانت تعيشه بلادهم آنذاك تحت نير الاستعمار الغاشم، وإما هروبا من الفقر والحاجة بدافع الرغبة للكسب الشريف وابتغاء الرزق من فضل الله ومن أبوابه الواسعة، بالرغم من أن الهجرة من الوطن والعيش بعيدا عن مسقط الرأس في الغربة صعب وقاس جدا، عملا بقول الله تعالى: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة" سورة النساء، الآية 100

وهكذا بدأت وفود المهاجرين تصل زرافات ووحدانا لأوروبا، منها ايطاليا، بدون أسر ولا أولاد، يعيشون في المدن، ويبحثون عن العمل ومنافذ للرزق بقصد الحصول على لقمة عيش شريف، والاستقرار إلى أن يهيء الله لهم الأسباب فيستقدمون أهاليهم وأطفالهم.

ومعظم الجالية الإسلامية المستوطنة في ايطاليا حاليا عى وجه العموم وفي العاصمة روما على وجه الخصوص ثقافتها محدودة، فهم إما: حرفيون وصناع وطباخون وميكانيكيون ومزارعون، وإما تجار من ذوي الدخل المحدود أو بائعون متجولون.

إلا انه توجد طبقة من المهاجرين، هاجرت من أجل طلب العلم ومتابعة دراستها في الجامعات الايطالية بصفة عامة، منهم من عاد إلى وطنه ومنهم من تخرج واختار العيش في ايطاليا، وتزوج بعضهم من زميلات الدراسة، وحصلوا على الجنسية الايطالية واندمجوا في المجتمع الايطالي فأفادوا واستفادوا.

ومنهم طبقة مثقفة حملت معها ثقافتها وشهاداتها العليا من أطباء ومهندسين وأساتذة ومصرفيين، إلا أنهم يعتبرون أقلية إذا قيسوا بأغلبية الجالية الإسلامية المتواجدة بايطاليا.

ولما بدأ حجم الجالية الإسلامية ينمو ويكبر، حوالي سنة 1965م. أصبحت الحاجة ملحة لإنشاء مسجد، المكان الرئيسي الديني والاجتماعي والتربوي الذي يهرع إليه المسلم عند الملمات كمقر للعبادة والثقافة والتربية الدنيوية والأخروية.

جاءت انطلاقة إنشاء المسجد- وتلتها فكرة إنشاء مركز إسلامي ثقافي بروما عقب ازدياد حجم الجالية الإسلامية – على يد نخبة محدودة من الجالية الإسلامية بروما، لاقت التشجيع والدعم من كثير من سفارات دول عربية وإسلامية.

وهكذا، وفي سنة 1966م، أسست جمعية خيرية إحسانية ثقافية واجتماعية ليس من أجل الربح، وإنما لتقوية العلاقات بين أتباع الدين الإسلامي وأتباع الديانات السماوية، وايجاد الوسائل الملائمة لمساعدة المسلمين في ايطاليا تحت اسم : " المركز الإسلامي الثقافي، بروما "

وفي سنة 1968م. انضم إليها سفراء الدول العربية الإسلامية وجميع أعضاء هذه السفارات.

أما في سنة 1974م. فقد تأسس مجلس لإدارة المركز الإسلامي الثقافي، ترأسه أحد سفراء الدول العربية والإسلامية بالإنتخاب، من قبل الجمعية العمومية للمركز، الذي وضع له نظاما أساسيا.

وعلى ضوء هذا النظام الأساسي الجديد للمركز، صدر في نفس السنة مرسوم جمهوري يعترف رسميا بهذه الجمعية الفتية التي منحها الشخصية المعنوية والمدنية والقانونية، حيث أصبح لها كيان قانوني، وتحمل منذ ذلك الحين اسم : المركز الإسلامي الثقافي لايطاليا، بروما.

ويعتبر مجلس الإدارة السلطة التشريعية للمركز، إما الأمانة العامة فهي السلطة التنفيذية للسياسة الرشيدة التي يخطها مجلس الإدارة لسير المركز نحو أهدافه المنشودة في تأطير الجالية الإسلامية وتوجيهها الوجهة الصالحة للعيش في بلد الغربة والأخوة والتعاون والتعايش وعلى الأخص مع اتباع الديانات السماوية الأخرى.

وجدير بالذكر، فإن تشييد المركز الإسلامي الثقافي لايطاليا قد تم بعون الله بناء على توصية قدمها مجلس الإدارة إلى الحكومة الايطالية وإلى الكرسي البابوي في سنة 1973م.

ويتكون مجلس الإدارة من خمسة عشر عضوا، منهم أحد عشر سفيرا وممثل لرابطة العالم الإسلامي، ومن ثلاثة أعضاء آخرين يمثلون المنظمات والهيئات الإسلامية واتحاد الطلبة المسلمين والجالية الإسلامية.

وصادف صدور هذه التوصية الزيارة التاريخية التي قام بها لروما في سنة 1973م. عاهل المملكة العربية السعودية، جلالة الملك فيصل، رحمه الله، فتبناها وقام بمساع حميدة لدى الحكومة الايطالية للحصول على موافقتها في التعاون والتآزر لتشييد هذه المعلمة الإسلامية، التي يتناسب حجمها والمآثر الدينية والأثرية القائمة بروما.

لقد استجابت الحكومة الايطالية مشكورة في سنة 1975م. لهذه المساعي وتبرعت لصالح إقامة هذا المشروع بقطعة أرضية فسيحة الأرجاء، في موقع يعد من أجمل المواقع العمرانية في روما، على سفح هضبة "انتنا بمنطقة باريولي" في حين التزم المركز الإسلامي الثقافي بتشييد شارع المسجد والقنطرة الحديدية للربط بين هذا الشارع والسكة الحديدة، لدمج هذه المنطقة الهامة في العاصمة دمجا تاما، وقد وفى المركز الإسلامي بالتزاماته، كما وفت بلدية روما بالتزاماتها ونغتنم هذه الفرصة لنوجه لها شكرنا وفائق تقديرنا على تعاونها وحسن رعايتها.

أما وضع الحجر الأساسي للبناء فقد تم في شهر دجنبر من سنة 1984م. بحضور فخامة رئيس الجمهورية الايطالية الراحل السيد ساندرو برتيني وممثل عن الكرسي البابوي وكبار الشخصيات الايطالية والعربية والإسلامية ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الحكومة الايطالية ولدى الكرسي البابوي وممثلو المنظمات والجمعيات الإسلامية وعدة شخصيات عربية وإسلامية مرموقة من عدد من الدول العربية والإسلامية المساهمة في المشروع.

تتمة الحوار