يرتكز هذا العرض على شطرين مهمين يبرز كل منهما مدى التطور الفكري الذي عرفه المغرب على عهد الدولة العلوية، خصوصا عندما بدأت علامات " المسألة المغربية في الظهور.

وتتناول هذه الدراسة :

أولا : التخطيط الجديد الذي ارتكزت عليه الطريقة الكتانية في التأسيس.

ثانيا : السلفية أصل في التفكير المغربي قديمة الجذور.

والطريقة الكتانية، هي الحركة الإسلامية العلمية الصوفية، التي تجمع بين القديم والجديد، وترتكز على المنهج القديم والجديد، وترتكز على المنهج العلمي، والتفكير المنطلق من الكتاب والسنة والجماعة، العاملة على تثبيت وإشاعة دعائم الإسلام وآدابه في النفوس، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وتحمل أتباعها على الاتصاف والتخلق بمكارم الأخلاق، والتعجيل بالتوبة من المعصية، ومحبة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام محبة كبرى، والتعلق به والاستغراق في الشمائل النبوية الباطنية، فضلا عن الظاهرة، تم تسكنه ذروة المعرفة الكبرى بطريقة مستعجلة

ومن مميزاتها : أن الملتزم لها لا ينفصل عنها أبدا، بل يواصل تمسكه بمنهجها وفي دائرتها. ومن أجل ذلك لم تتفرع عنها مشيخات مستقلة أو موازية، أو متفرعة عنها كما هو الحال في غيرها، وبهذا حافظت على وحدتها وقوتها وتجددها باستمرار، وهي طريقة:

1- تعتمد على العلم الصحيح، والمعرفة، والتربية وعلى الوضوح في مشربها في أطر الجماعة والوحدة.

2- " طريقة التمدن الإسلامي الكامل، وطريقة الإجماع لا طريق الافتراق والتمدن، هو تهذيب النفس وقتل حيوانيتها."

ولقد أدرك مؤسسها الشيخ محمد بن الشيخ عبد الكبير الكتاني رضوان الله عليهما الذي عاش ما بين (1327-1290 هـ / 1873-1909م)، الحالة التي أصبح يعيشها المغرب فكانت أفاقه العلمية التجديدية السلفية الحقة، وفهمه العميق للوضعية الراهنة للمغرب يومئذ، ومركزه الحساس، سواء على المستوى الوطني أو الرسمي، وتصدره تلقائيا – لرئاسة النخبة الواعية المتطلعة للمواجهة والتجديد، وإيمانه بالرسالة التي ظهر بها على مختلف الواجهات، وخاصة إيمانه بضرورة تركيز الحياة الدستورية، وخلق الإعلام " باعتباره حربا بالأقلام "، وتوحيد التراب الوطني، وتخليص الحدود الترابية مما أصابها، والخروج من التقوقع الفكري والسياسي والدبلوماسي. ومن هده المعطيات أسس الطريقة الكتانية.

واعتبارا للتخطيط الجديد الذي ارتكز عليه، فإن من بين الأساليب الجديدة التي اعتمد عليها التنظيم الجديد، اعتبار الرسائل وسيلة الاتصال في بناء هيكل هذه المدرسة.

ونحن عندما نتحدث عن الوسائل الجديدة التي يرتكز عليها البناء الجديد للطريقة الكتانية، إنما نحاول من وراء ذلك إعطاء نظرة حقيقية إلى أن تأسيس هذه الطريقة، لم يكن يرتكز على إضافة مشرب جديد في وضع دقيق، ولا إلى استغلال نفس الظرف لإقامة هذا البناء الاجتبائي الذي خدم الله فخدمه الله، بالرغم من العوامل المتكالبة عليه من خصوم أي حركة للتطور ظهرت منذ أواسط القرن التاسع عشر بالخصوص.

إن طريق البناء في الطريقة الكتانية، لم يكن يتوخى إضافة مشرب جديد، بقدر ما كان يهدف إلى إحداث هزة (1) ترتكز جذورها على اقتناع مدروس، نشأ الشيخ المؤسس مقتنعا بخيوطه العامة والخاصة، حيث فتح عينيه على والد مربي وعلى (جبل السنة )، (2) كان قد أدرك الأبعاد التي أصبحت ترتكز عليها الحياة الصوفية، في بلد أكد أن هذا المنصب قد انسجم معه ومع تفكيره، ما دام قد خلصه من كثير من عوائد الجاهلية، التي لم يرتكز عليها دعاة السلفية، وهم يدعون لذلك.

لقد فتح الشيخ الشهيد عينيه على توجيه مستقيم، وهذا التوجيه وهذه التربية يهدف كل منهما تلك الهزة العنيفة التي أحدثها مبكرا، لأنه تلقى توجيها وتربية من البدء، كانت هذه النتائج مظهرها الأساسي : لقد فتح الشيخ عينيه في بيت يعتقد أنه:

"إنما قل نفع أهل هذا الزمان، لأنهم اقتصروا على أذكار وأدعية أهل التجليات السابقة.

وفي الباب الرابع والخمسين من الفتوحات المكية، كان الشيخ أبو مدين إذا قيل له : فلان عن فلان، يقول : ما نريد أن نأكل قديدا، إيتوني بلحم طري. (3).

وإذا كان الوضع هكذا فإن عنصر التكوين يحتاج إلى إصلاح جذري.

وللوصول إلى هذا الإصلاح، وضعت قاعدة عامة أكدها والد الشيخ بقوله : أن "الأصل في ساحة كل مسلم البراءة من التظاهر بما ليس فيه (4)"

ومن هنا، من هذا المنطلق، وجد الشيخ الشهيد الطريق أمامه مهيأ للقيام بحركة تجديدية، تكمن في صورة واحدة هي : اهتمامه الأولى بوسائل الإعلام.

لذا فإن الشيخ الشهيد، وهو يدخل معركة البناء الجديد، فإنما دخلها عن طريق وسائل الإعلام من أوسع أبوابه، وأحدث طرقه.

تتمة الموضوع